الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
25 - بل .

حرف إضراب عن الأول ، وإثبات للثاني يتلوه جملة ومفرد .

فالأول الإضراب فيه ، إما بمعنى ترك الأول والرجوع عنه بإبطاله ، وتسمى حرف ابتداء ، كقوله تعالى : وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون ( الأنبياء : 26 ) أي بل هم عباد وكذا : أم يقولون به جنة بل جاءهم بالحق ( المؤمنون : 70 ) .

وإما الانتقال من حديث إلى حديث آخر ، والخروج من قصة إلى قصة ، من غير رجوع عن الأول ، وهي في هذه الحالة عاطفة كما قاله الصفار ، كقوله تعالى : ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة ( الأنعام : 94 ) بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا ( الكهف : 48 ) وقوله : أم يقولون افتراه بل هو الحق من ربك ( السجدة : 3 ) انتقل من القصة الأولى إلى ما هو أهم منها . وما يشعرون أيان يبعثون بل ادارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون ( النمل : 65 - 66 ) ليست للانتقال ، بل هم متصفون بهذه الصفات كلها .

وقوله : وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون ( الشعراء : 166 ) وفي موضع : بل أنتم قوم تجهلون ( النمل : 55 ) وفي موضع : بل أنتم قوم مسرفون ( الأعراف : 81 ) .

والمراد تعديد خطاياهم واتصافهم بهذه [ ص: 228 ] الصفات و " بل " لم ينو ما أضافه إليهم من إتيان الذكور والإعراض عن الإناث ، بل استدرك بها بيان عدوانهم ، وخرج من تلك القصة إلى هذه الآية .

وزعم صاحب البسيط وابن مالك أنها لا تقع في القرآن إلا بهذا المعنى ، وليست كذلك لما سبق ، وكذا قال ابن الحاجب في شرح المفصل ، إبطال ما للأول ، وإثباته للثاني إن كان في الإثبات ، نحو : جاء زيد بل عمرو ، فهو من باب الغلط ، فلا يقع مثله في القرآن ، ولا في كلام فصيح . وإن كان ما في النفي نحو : ما جاءني زيد بل عمرو ، ويجوز أن يكون من باب الغلط ، يكون عمرو غير جاء ، ويجوز أن يكون مثبتا لعمرو المجيء ، فلا يكون غلطا . انتهى .

ومنه أيضا قوله : قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى بل تؤثرون الحياة الدنيا ( الأعلى : 14 إلى 16 ) وقوله : ولدينا كتاب ينطق بالحق وهم لا يظلمون بل قلوبهم في غمرة من هذا ( المؤمنون : 62 - 63 ) .

وقوله : ص والقرآن ذي الذكر بل الذين كفروا في عزة وشقاق ( ص : 1 - 2 ) ترك الكلام الأول ، وأخذ ببل في كلام ثان ، ثم قال حكاية عن المشركين : أءنزل عليه الذكر من بيننا ( ص : 8 ) ثم قال : بل هم في شك من ذكري ( ص : 8 ) ثم ترك الكلام الأول وأخذ ببل في كلام آخر ، فقال : بل لما يذوقوا عذاب ( ص : 8 ) . وقيل : إن قوله : بل الذين كفروا ( ص : 2 ) بمعنى أن لا فالقسم لابد له من جواب

[ ص: 229 ] والثاني أعني - ما يتلوها مفرد - فهي عاطفة ، ثم إن تقدمها إثبات نحو : اضرب زيدا بل عمرا ، وأقام زيد بل عمرو ، فقال النحاة : هي تجعل ما قبلها كالمسكوت عنه ، فلا يحكم عليه بشيء ، ويثبت ما بعدها . وإن تقدمها نفي أو نهي فهي لتقرير ما قبلها على حاله . وجعل ضده لما بعدها ، نحو : ما قام زيد بل عمرو ، ولا يقم زيد بل عمرو . ووافق المبرد على ما ذكرنا غير أنه أجاز مع ذلك أن تكون ناقلة معنى النهي أو النفي إلى ما بعدها .

وحاصل الخلاف أنه إذا وقع قبلها النفي هل تنفي الفعل أو توجبه ؟

التالي السابق


الخدمات العلمية