[ ص: 49 ] فصل : [ غزوة
الحديبية ]
ثم غزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=treesubj&link=29331غزوة الحديبية ، وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعا أصحابه إلى العمرة فتهيئوا وأسرعوا ، فدخل بيته ، فاغتسل ، ولبس ثوبين ، وركب راحلته القصوى ، وخرج في يوم الاثنين هلال ذي القعدة في
nindex.php?page=treesubj&link=30861ألف وستمائة .
وقيل : ألف وأربعمائة ، ومعه زوجته
nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة ، وصلى الظهر
بذي الحليفة ، وساق سبعين بدنة منها جمل
أبي جهل الذي غنمه يوم
بدر ، فحللها وأشعرها في الشق الأيمن وقلدها ، وهن موجهات إلى القبلة ، ثم
nindex.php?page=treesubj&link=30856أحرم بالعمرة ، ولبى وقدم أمامه
عباد بن بشر في عشرين فارسا من
المهاجرين والأنصار طليعة ، وبلغ
قريشا مسيره ، فأجمعوا رأيهم على
nindex.php?page=treesubj&link=30857صده عن المسجد الحرام ، وعسكروا
ببلدح ، وقدموا
خالد بن الوليد في مائتي فارس إلى
كراع الغميم ، فوقف
عباد بن بشر في خيله بإزائه ، وحانت صلاة الظهر فصلاها بأصحابه في
عسفان ، صلاة الأمن وحانت صلاة العصر ، وقربت خيل
خالد بن الوليد ، فصلى العصر بأصحابه صلاة الخوف ، ثم صار إلى
الحديبية حتى دنا منها ، وهي طرف الحرم على سبعة أميال من
مكة ، فبركت ناقته القصواء فزجروها ، فأبت أن تنبعث فقالوا : خلأت ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي : رجعت ، فقال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924885ما خلأت ولكن حبسها حابس الفيل ، أما والله لا يسألوني اليوم خطة فيها تعظيم حرمة لله إلا أعطيتهم إياها ثم زجرها ، فقامت ، فولى راجعا عوده على بدئه حتى نزل بالناس على ثمد من ثماد
الحديبية قليل الماء ، فانتزع سيفا من كنانته ، فأمر به ، فغرس فيها ، فجاشت لهم بالرواء حتى اغترفوا بآنيتهم جلوسا على شفير البئر ، ومطروا
بالحديبية حتى كثرت المياه ، وجاءه
بديل بن ورقاء في ركب من
خزاعة ، وقال : قد جئناك من عند قومك وإنهم جمعوا لك من أطاعهم ، وأقسموا بالله أنهم لا يخلون بينك وبين البيت حتى تبيد ضفراءهم فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924886ما جئنا لقتال ، وإنما جئنا للطواف بهذا البيت ، فمن صدنا عنه قاتلناه ولم يكن مع أصحابه سلاح إلا سيوف المسافرين في أغمادها ، فعاد
بديل بن ورقاء إلى
قريش ، فأخبرهم بذلك : فبعثوا
عروة بن مسعود [ ص: 50 ] الثقفي ، فأجابه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمثل ذلك ، وبعث
عثمان بن عفان بعد أن بعث قبله
خراش بن أمية الكعبي ، وأمره أن ينبئ
قريشا أنا لم نأت لقتال ، وإنما جئنا زوارا لهذا البيت ، ومعنا هدي ننحره ، وننصرف ، فأتاهم
عثمان ، وأخبرهم بذلك ، فقالوا : لا كان هذا أبدا ، ولا يدخلها في هذا العام ، وبلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن
عثمان قتل فبايع أصحابه بيعة الرضوان تحت الشجرة ، وبايع
لعثمان بشماله على يمينه ، وجعلت الرسل تختلف حتى أجمعوا على الصلح والموادعة ، فبعثوا
سهيل بن عمرو في عدة من رجالهم لعقد
nindex.php?page=treesubj&link=30862الصلح ومعه
عثمان بن عفان ، فكتب بينه وبينهم : هذا ما اصطلح عليه
محمد بن عبد الله وسهيل بن عمرو اصطلحا على وضع الحرب عشر سنين يأمن فيها الناس ، ويكف بعضهم عن بعض على أنه لا أسلال ولا أغلال ، وأن بيننا عيبة مكفوفة ، وأنه من أحب أن يدخل في عهد
محمد وعقده دخل ، ومن أحب أن يدخل في عقد
قريش وعهدها دخل ، وأنه من أتى منهم
محمدا بغير إذن وليه رده إليهم ، ومن أتاهم من أصحاب
محمد لم يردوه ، وأن
محمدا يرجع في عامه هذا بأصحابه ، ويدخل علينا قابل في أصحابه فيقيم ثلاثا لا يدخل علينا بسلاح إلا سلاح المسافر السيوف في القرب .
شهد
أبو بكر بن أبي قحافة ،
وعمر بن الخطاب ،
وعبد الرحمن بن عوف ،
وسعد بن أبي وقاص ،
وعثمان بن عفان ،
وأبو عبيدة بن الجراح ،
ومحمد بن مسلمة ،
وحويطب بن عبد العزى ،
ومكرز بن حفص ، وكتب
علي بن أبي طالب صدر هذا الكتاب ، وكتب علي نسختين إحداهما مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والأخرى مع
سهيل بن عمرو ، وتواثبت
خزاعة ، فقالوا : نحن ندخل في عهد
محمد وعقده وتواثبت
بنو بكر ، وقالوا : نحن ندخل في عقد
قريش وعهدهم ، وخرج
أبو جندل بن سهيل بن عمرو من
مكة يجعل في قيده إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال
سهيل : هذا أول من أقاضيك عليه فرده إليه ، وقال
لأبي جندل : قد تم الصلح بيننا وبين القوم ، فاصبر حتى يجعل الله لك فرجا ومخرجا ، وانطلق
سهيل ،
nindex.php?page=treesubj&link=30858فنحر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هديه ،
nindex.php?page=treesubj&link=30859وحلق شعره ، حلقه
خراش بن أمية الكعبي ، وحلق بعض أصحابه وقصر بعضهم ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924887اللهم اغفر للمحلقين ثلاثا ، فقيل : والمقصرين يا رسول الله ، فقال في الرابعة : والمقصرين ، وأقام
بالحديبية بضع عشرة يوما .
وقيل : عشرين يوما فلما بلغ
كراع الغميم نزل عليه :
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=1إنا فتحنا لك فتحا مبينا [ الفتح : 1 ] . فقرأها على الناس ، فقال رجل : أوفتح هو ؟ قال إي والذي نفسي بيده ، إنه لفتح فهنأه المسلمون ، وهنأ بعضهم بعضا ، وذكر
جابر أن عطشا أصابهم ، فأتي
[ ص: 51 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتور فيه ماء ، فوضع يده فيه : فجعل الماء يخرج من بين أصابعه ، كأنها العيون حتى ارتوى جميع الناس ، وسميت هذه السنة عام
الحديبية : لأنها أعظم ما كان فيها ، وكان أبرك عام وأيمن صلح ، فإنه أسلم فيه من الناس أكثر من جميع من أسلم من قبل ، وقرئ في عقد هذا الصلح ثلاثة أشياء :
أحدها : أن جماعة الصحابة كرهوه حتى قال
nindex.php?page=treesubj&link=30863عمر بن الخطاب لرسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " ألست رسول الله ؟ قال : بلى . قال : أولسنا بالمسلمين ؟ قال : بلى قال : أوليسوا بالمشركين ؟ قال : بلى قال : فعلام نعطي الدنية في ديننا ؟ قال : وأنا عبد الله ورسوله ، ولن أخالف أمره . فكان
عمر يقول : ما زلت أصوم وأتصدق وأصلي ، وأعتق من الذي صنعت يومئذ مخافة كلامي .
والثاني : أنه لما كانت الصحيفة ابتدأت : بسم الله الرحمن الرحيم ، فقال
سهيل بن عمرو نعرف الله ، وما نعرف الرحمن الرحيم ، فكتب
سهيل باسمك اللهم على ما كانوا عليه في الجاهلية ، وكتب هذا ما اصطلح عليه
محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال سهيل : لو علمنا أنك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما نازعناك ، فقال
لعلي :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924888اكتب محمد بن عبد الله ، فقال : يا رسول الله ، لا أستطيع أن أمحو اسمك من النبوة ، فمحاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده ، وقال
لعلي :
إنك ستسام إلى مثلها فتجيب ، فكان ما دعي إليه في التحكيم في محو اسمه من إمارة المؤمنين .
والثالث : أنه لما أمر أصحابه بالنحر والحلق ، توقفوا ، فدخل على
nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة ، وشكى ذلك إليها ، فقالت : ابتدئ أنت بالنحر والحلق ، فإنهم سيتبعونك ، ففعل ذلك ، وفعلوا .
[ ص: 49 ] فَصْلٌ : [ غَزْوَةُ
الْحُدَيْبِيَةِ ]
ثُمَّ غَزَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
nindex.php?page=treesubj&link=29331غَزْوَةَ الْحُدَيْبِيَةِ ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَا أَصْحَابَهُ إِلَى الْعُمْرَةِ فَتَهَيَّئُوا وَأَسْرَعُوا ، فَدَخَلَ بَيْتَهُ ، فَاغْتَسَلَ ، وَلَبِسَ ثَوْبَيْنِ ، وَرَكِبَ رَاحِلَتَهُ الْقَصْوَى ، وَخَرَجَ فِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ هِلَالَ ذِي الْقَعْدَةِ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=30861أَلْفٍ وَسِتِّمِائَةٍ .
وَقِيلَ : أَلْفٌ وَأَرْبَعُمِائَةٍ ، وَمَعَهُ زَوْجَتُهُ
nindex.php?page=showalam&ids=54أُمُّ سَلَمَةَ ، وَصَلَّى الظُّهْرَ
بِذِي الْحُلَيْفَةِ ، وَسَاقَ سَبْعِينَ بَدَنَةً مِنْهَا جَمَلُ
أَبِي جَهْلٍ الَّذِي غَنِمَهُ يَوْمَ
بَدْرٍ ، فَحَلَّلَهَا وَأَشْعَرَهَا فِي الشِّقِّ الْأَيْمَنِ وَقَلَّدَهَا ، وَهُنَّ مُوَجَّهَاتٌ إِلَى الْقِبْلَةِ ، ثُمَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30856أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ ، وَلَبَّى وَقَدَّمَ أَمَامَهُ
عَبَّادَ بْنَ بِشْرٍ فِي عِشْرِينَ فَارِسًا مِنَ
الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ طَلِيعَةً ، وَبَلَغَ
قُرَيْشًا مَسِيرُهُ ، فَأَجْمَعُوا رَأْيَهُمْ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=30857صَدِّهِ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، وَعَسْكَرُوا
بِبَلْدَحَ ، وَقَدَّمُوا
خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فِي مِائَتَيْ فَارِسٍ إِلَى
كُرَاعِ الْغَمِيمِ ، فَوَقَفَ
عَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ فِي خَيْلِهِ بِإِزَائِهِ ، وَحَانَتْ صَلَاةُ الظُّهْرِ فَصَلَّاهَا بِأَصْحَابِهِ فِي
عُسْفَانَ ، صَلَاةَ الْأَمْنِ وَحَانَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ ، وَقَرُبَتْ خَيْلُ
خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ ، فَصَلَّى الْعَصْرَ بِأَصْحَابِهِ صَلَاةَ الْخَوْفِ ، ثُمَّ صَارَ إِلَى
الْحُدَيْبِيَةِ حَتَّى دَنَا مِنْهَا ، وَهِيَ طَرَفُ الْحَرَمِ عَلَى سَبْعَةِ أَمْيَالٍ مِنْ
مَكَّةَ ، فَبَرَكَتْ نَاقَتُهُ الْقَصْوَاءُ فَزَجَرُوهَا ، فَأَبَتْ أَنْ تَنْبَعِثَ فَقَالُوا : خَلَأَتْ نَاقَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْ : رَجَعَتْ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924885مَا خَلَأَتْ وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ ، أَمَا وَاللَّهِ لَا يَسْأَلُونِي الْيَوْمَ خُطَّةً فِيهَا تَعْظِيمُ حُرْمَةٍ لِلَّهِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا ثُمَّ زَجَرَهَا ، فَقَامَتْ ، فَوَلَّى رَاجِعًا عَوْدَهُ عَلَى بَدْئِهِ حَتَّى نَزَلَ بِالنَّاسِ عَلَى ثَمَدٍ مِنْ ثِمَادِ
الْحُدَيْبِيَةِ قَلِيلِ الْمَاءِ ، فَانْتَزَعَ سَيْفًا مِنْ كِنَانَتِهِ ، فَأَمَرَ بِهِ ، فَغُرِسَ فِيهَا ، فَجَاشَتْ لَهُمْ بِالرِّوَاءِ حَتَّى اغْتَرَفُوا بِآنِيَتِهِمْ جُلُوسًا عَلَى شَفِيرِ الْبِئْرِ ، وَمُطِرُوا
بِالْحُدَيْبِيَةِ حَتَّى كَثُرَتِ الْمِيَاهُ ، وَجَاءَهُ
بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ فِي رَكْبٍ مِنْ
خُزَاعَةَ ، وَقَالَ : قَدْ جِئْنَاكَ مِنْ عِنْدِ قَوْمِكَ وَإِنَّهُمْ جَمَعُوا لَكَ مَنْ أَطَاعَهُمْ ، وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ أَنَّهُمْ لَا يُخَلُّونَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْبَيْتِ حَتَّى تُبِيدَ ضَفْرَاءَهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924886مَا جِئْنَا لِقِتَالٍ ، وَإِنَّمَا جِئْنَا لِلطَّوَافِ بِهَذَا الْبَيْتِ ، فَمَنْ صَدَّنَا عَنْهُ قَاتَلْنَاهُ وَلَمْ يَكُنْ مَعَ أَصْحَابِهِ سِلَاحٌ إِلَّا سُيُوفُ الْمُسَافِرِينَ فِي أَغْمَادِهَا ، فَعَادَ
بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ إِلَى
قُرَيْشٍ ، فَأَخْبَرَهُمْ بِذَلِكَ : فَبَعَثُوا
عُرْوَةَ بْنَ مَسْعُودٍ [ ص: 50 ] الثَّقَفِيَّ ، فَأَجَابَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِثْلِ ذَلِكَ ، وَبَعَثَ
عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ بَعْدَ أَنْ بَعَثَ قَبْلَهُ
خِرَاشَ بْنَ أُمَيَّةَ الْكَعْبِيَّ ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُنْبِئَ
قُرَيْشًا أَنَّا لَمْ نَأْتِ لِقِتَالٍ ، وَإِنَّمَا جِئْنَا زُوَّارًا لِهَذَا الْبَيْتِ ، وَمَعَنَا هَدْيٌ نَنْحَرُهُ ، وَنَنْصَرِفُ ، فَأَتَاهُمْ
عُثْمَانُ ، وَأَخْبَرَهُمْ بِذَلِكَ ، فَقَالُوا : لَا كَانَ هَذَا أَبَدًا ، وَلَا يَدْخُلُهَا فِي هَذَا الْعَامِ ، وَبَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ
عُثْمَانَ قُتِلَ فَبَايَعَ أَصْحَابَهُ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ، وَبَايَعَ
لِعُثْمَانَ بِشِمَالِهِ عَلَى يَمِينِهِ ، وَجَعَلَتِ الرُّسُلُ تَخْتَلِفُ حَتَّى أَجْمَعُوا عَلَى الصُّلْحِ وَالْمُوَادَعَةِ ، فَبَعَثُوا
سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو فِي عِدَّةٍ مِنْ رِجَالِهِمْ لِعَقْدِ
nindex.php?page=treesubj&link=30862الصُّلْحِ وَمَعَهُ
عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ ، فَكَتَبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ : هَذَا مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو اصْطَلَحَا عَلَى وَضْعِ الْحَرْبِ عَشْرَ سِنِينَ يَأْمَنُ فِيهَا النَّاسُ ، وَيَكُفُّ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ عَلَى أَنَّهُ لَا أَسْلَالَ وَلَا أَغْلَالَ ، وَأَنَّ بَيْنَنَا عَيْبَةً مَكْفُوفَةً ، وَأَنَّهُ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَهْدِ
مُحَمَّدٍ وَعَقْدِهِ دَخَلَ ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ
قُرَيْشٍ وَعَهْدِهَا دَخَلَ ، وَأَنَّهُ مَنْ أَتَى مِنْهُمْ
مُحَمَّدًا بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهِ رَدَّهُ إِلَيْهِمْ ، وَمَنْ أَتَاهُمْ مِنْ أَصْحَابِ
مُحَمَّدٍ لَمْ يَرُدُّوهُ ، وَأَنَّ
مُحَمَّدًا يَرْجِعُ فِي عَامِهِ هَذَا بِأَصْحَابِهِ ، وَيَدْخُلُ عَلَيْنَا قَابِلَ فِي أَصْحَابِهِ فَيُقِيمُ ثَلَاثًا لَا يَدْخُلُ عَلَيْنَا بِسِلَاحٍ إِلَّا سِلَاحَ الْمُسَافِرِ السُّيُوفَ فِي الْقُرُبِ .
شَهِدَ
أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ ،
وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ،
وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ،
وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ ،
وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ ،
وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ ،
وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ ،
وَحُوَيْطِبُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى ،
وَمِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ ، وَكَتَبَ
عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ صَدْرَ هَذَا الْكِتَابِ ، وَكَتَبَ عَلِيٌّ نُسْخَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْأُخْرَى مَعَ
سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو ، وَتَوَاثَبَتْ
خُزَاعَةُ ، فَقَالُوا : نَحْنُ نَدْخُلُ فِي عَهْدِ
مُحَمَّدٍ وَعَقْدِهِ وَتَوَاثَبَتْ
بَنُو بَكْرٍ ، وَقَالُوا : نَحْنُ نَدْخُلُ فِي عَقْدِ
قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ ، وَخَرَجَ
أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو مِنْ
مَكَّةَ يُجْعَلُ فِي قَيْدِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ
سُهَيْلٌ : هَذَا أَوَّلُ مَنْ أُقَاضِيكَ عَلَيْهِ فَرَدَّهُ إِلَيْهِ ، وَقَالَ
لِأَبِي جَنْدَلٍ : قَدْ تَمَّ الصُلْحُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ ، فَاصْبِرْ حَتَّى يَجْعَلَ اللَّهُ لَكَ فَرَجًا وَمَخْرَجًا ، وَانْطَلَقَ
سُهَيْلٌ ،
nindex.php?page=treesubj&link=30858فَنَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَدْيَهُ ،
nindex.php?page=treesubj&link=30859وَحَلَقَ شَعْرَهُ ، حَلَقَهُ
خِرَاشُ بْنُ أُمَيَّةَ الْكَعْبِيُّ ، وَحَلَقَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ وَقَصَرَّ بَعْضُهُمْ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924887اللَّهْمَ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ ثَلَاثًا ، فَقِيلَ : وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَالَ فِي الرَّابِعَةِ : وَالْمُقَصِّرِينَ ، وَأَقَامَ
بِالْحُدَيْبِيَةِ بِضْعَ عَشْرَةَ يَوْمًا .
وَقِيلَ : عِشْرِينَ يَوْمًا فَلَمَّا بَلَغَ
كُرَاعَ الْغَمِيمِ نَزَلَ عَلَيْهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=1إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا [ الْفَتْحِ : 1 ] . فَقَرَأَهَا عَلَى النَّاسِ ، فَقَالَ رَجُلٌ : أَوَفَتْحٌ هُوَ ؟ قَالَ إِي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، إِنَّهُ لَفَتْحٌ فَهَنَّأَهُ الْمُسْلِمُونَ ، وَهَنَّأَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ، وَذَكَرَ
جَابِرٌ أَنَّ عَطَشًا أَصَابَهُمْ ، فَأُتِيَ
[ ص: 51 ] رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَوْرٍ فِيهِ مَاءٌ ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِيهِ : فَجَعَلَ الْمَاءُ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ ، كَأَنَّهَا الْعُيُونُ حَتَّى ارْتَوَى جَمِيعُ النَّاسِ ، وَسُمِّيَتْ هَذِهِ السَّنَةُ عَامَ
الْحُدَيْبِيَةَ : لِأَنَّهَا أَعْظَمُ مَا كَانَ فِيهَا ، وَكَانَ أَبْرَكَ عَامٍ وَأَيْمَنَ صُلْحٍ ، فَإِنَّهُ أَسْلَمَ فِيهِ مِنَ النَّاسِ أَكْثَرُ مِنْ جَمِيعِ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ قَبْلُ ، وَقُرِئَ فِي عَقْدِ هَذَا الصُّلْحِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ :
أَحَدُهَا : أَنَّ جَمَاعَةَ الصَّحَابَةِ كَرِهُوهُ حَتَّى قَالَ
nindex.php?page=treesubj&link=30863عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِرَسُولِ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَلَسْتَ رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : بَلَى . قَالَ : أَوَلَسْنَا بِالْمُسْلِمِينَ ؟ قَالَ : بَلَى قَالَ : أَوَلَيْسُوا بِالْمُشْرِكِينَ ؟ قَالَ : بَلَى قَالَ : فَعَلَامَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا ؟ قَالَ : وَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ، وَلَنْ أُخَالِفَ أَمْرَهُ . فَكَانَ
عُمَرُ يَقُولُ : مَا زِلْتُ أَصُومُ وَأَتَصَدَّقُ وَأُصَلِّي ، وَأُعْتِقُ مِنَ الَّذِي صَنَعْتُ يَوْمَئِذٍ مَخَافَةَ كَلَامِي .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ لَمَّا كَانَتِ الصَّحِيفَةُ ابْتَدَأَتْ : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، فَقَالَ
سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو نَعْرِفُ اللَّهَ ، وَمَا نَعْرِفُ الرَّحْمَنَ الرَّحِيمَ ، فَكَتَبَ
سُهَيْلٌ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، وَكَتَبَ هَذَا مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ
مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ سُهَيْلٌ : لَوْ عَلِمْنَا أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا نَازَعْنَاكَ ، فَقَالَ
لِعَلِيٍّ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924888اكْتُبْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَمْحُوَ اسْمَكَ مِنَ النُّبُوَّةِ ، فَمَحَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِهِ ، وَقَالَ
لِعَلِيٍّ :
إِنَّكَ سَتُسَامُ إِلَى مِثْلِهَا فَتُجِيبُ ، فَكَانَ مَا دُعِيَ إِلَيْهِ فِي التَّحْكِيمِ فِي مَحْوِ اسْمِهِ مِنْ إِمَارَةِ الْمُؤْمِنِينَ .
وَالثَّالِثُ : أَنَّهُ لَمَّا أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالنَّحْرِ وَالْحَلْقِ ، تَوَقَّفُوا ، فَدَخَلَ عَلَى
nindex.php?page=showalam&ids=54أُمِّ سَلَمَةَ ، وَشَكَى ذَلِكَ إِلَيْهَا ، فَقَالَتْ : ابْتَدِئْ أَنْتَ بِالنَّحْرِ وَالْحَلْقِ ، فَإِنَّهُمْ سَيَتْبَعُونَكَ ، فَفَعَلَ ذَلِكَ ، وَفَعَلُوا .