الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " وأن يفرقوا بين هيئتهم في الملبس والمركب وبين هيئات المسلمين ، وأن يعقدوا الزنانير على أوساطهم "

                                                                                                                                            قال الماوردي : أما الفرق بين أهل الذمة والمسلمين في هيئات الملبس والمركب ، فيؤخذون به في عقد ذمتهم مشروطا عليهم ، ليتميزوا به ، فيعرفوا ، ولا يتشبهوا بالمسلمين ، فيخفوا ، لما بينهم وبين المسلمين ، من افتراق الأحكام .

                                                                                                                                            والفرق بينهم وبين المسلمين في الهيئات معتبر من ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                            أحدها : في ملابسهم .

                                                                                                                                            والثاني : في أبدانهم .

                                                                                                                                            [ ص: 326 ] والثالث : في مواكبهم .

                                                                                                                                            فأما المعتبر في ملابسهم فالاختيار أن يجمع فيه بين أمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : لبس الغيار .

                                                                                                                                            والثاني : شد الزنار .

                                                                                                                                            فأما الغيار : فهو أن يغيروا لون ثوب واحد من ملابسهم لا يلبس المسلمون مثل لونه ، إما في عمائمهم ، وإما في قمصهم ، ويكونوا فيما سواه مثل ملابس المسلمين ، ويفرق بين غيار اليهود والنصارى ، ليتميزوا ، وعادة اليهود أن يكون غيارهم العسلي ، وهو المائل إلى الصفرة كالعسل ، وربما غيروا بنوع من الأزرق يخالف معهود الأزرق ، وغيار النصارى أن يكون غيارهم الأدكن ، وهو نوع من الفاختي ، وربما غيروا بنوع من الصوف .

                                                                                                                                            وليست هذه الألوان شرطا لا يتجاوز إنما الاعتبار بلون متميز ، فإذا صار مألوفا منعوا من العدول عنه إلى غيره ، لئلا يقع الاشتباه والإشكال ، فإن تشابه اليهود والنصارى في لون الغيار جاز ، وإن كان تميزهم فيه أولى .

                                                                                                                                            وأما الزنار فهو كالخيط المستغلظ يشدونه في أوساطهم فوق ثيابهم ، وأرديتهم ، ويمنعوا أن يستبدلوا بشد المناطق والمنديل : لأن المنطقة من لبس المتخصصين بالرتب من المسلمين ، والمناديل في الأوساط من لبس ذوي الصنائع من المسلمين ، فلم يتميز بها أهل الذمة ، وجميع الألوان من الزنانير سواء بخلاف الغيار : لأن أصل الزنار كالغيار .

                                                                                                                                            فإن شرط على أهل الذمة أحد الأمرين في غيار أو زنار جاز : لأنهم يتميزون به ، وإن شرط عليهم الجمع بين الغيار والزنار أخذوا بهما معا : لأنه أبلغ في التميز من أحدهما .

                                                                                                                                            فأما نساء أهل الذمة ، فيؤخذن بلبس الغيار في الخمار الظاهر الذي يشاهد ، ويلبسن خفين من لونين أحدهما : أسود ، والآخر : أحمر أو أبيض ، ليتميز نساؤهم عن نساء المسلمين ، ويؤخذن بشد الزنار دون الخمار ، لئلا تصفها بثيابها بعد أن يكون ظاهرا ، فإن اقتصر في النساء على التميز بأحدهما جاز ، وإن كان الجمع بين الثلاثة أولى ، فإن لبس أهل الذمة العمائم والطيالسة ، لم يمنعوا .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة وأحمد بن حنبل : يمنعون من لبس العمائم والطيالسة : لأنها من أجمل ملابس المسلمين ، وهذا ليس بصحيح : لأن المقصود تميزهم عن المسلمين ، فإذا تميزوا بالغيار والزنار جاز أن يساووهم في صفات ملابسهم كما يساووهم في أنواع مأكلهم .

                                                                                                                                            [ ص: 327 ] وأما لبس فاخر الديباج والحرير ، فلا يمنعون منه في منازلهم ، وفي منعهم منه ظاهرا وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : يمنعون منه لما فيه من التطاول به على المسلمين .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : لا يمنعون منه كما لا يمنعون من فاخر الثياب القطن والكتان ، ولأنهم يصيرون متميزين بلبسه من المسلمين ، لتحريم لبسه عليهم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية