الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 288 ] باب لغو اليمين من هذا ومن اختلاف مالك والشافعي

                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رحمه الله : أخبرنا مالك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة أنها قالت : لغو اليمين قول الإنسان لا والله وبلى والله . قال الشافعي رحمه الله : والعفو في لسان العرب الكلام غير المعقود عليه ، وجماع اللغو هو الخطأ ، واللغو كما قالت عائشة ، والله أعلم . وذلك إذا كان على اللجاج والغضب والعجلة وعقد اليمين أن يثبتها على الشيء بعينه .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وأصل هذا قول الله تعالى : لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم [ البقرة : 225 ] ، يريد بترك المؤاخذة باللغو في الأيمان ارتفاع المأثم وسقوط الكفارة .

                                                                                                                                            واختلف الفقهاء في لغو اليمين الذي يسقط به المأثم والتكفير على مذاهب شتى

                                                                                                                                            أحدها : ما قاله مالك : إن لغو اليمين هو اليمين الغموس أن يحلف على الماضي كاذبا فلا يؤاخذ بالكفارة وإن كان آثما وهي اليمين الغموس .

                                                                                                                                            والمذهب الثاني : ما قاله أبو حنيفة : بأن لغو اليمين بأن يحلف على ماض يعتقد أنه صادق ، فيبين كاذبا فلا يؤاخذ بمأثم ولا كفارة .

                                                                                                                                            والمذهب الثالث : ما قال إبراهيم النخعي : أن لغو اليمين أن يحلف ناسيا على ماض أو مستقبل ، فلا يؤاخذ بمأثم ولا كفارة .

                                                                                                                                            والمذهب الرابع : ما قال الشعبي ومسروق : هو أن يحلف على معصية فيتركها فيصير لاغيا يمينه ، لا يؤاخذ بمأثم ولا كفارة .

                                                                                                                                            والمذهب الخامس : ما قاله سعيد بن جبير أن لغو اليمين هو أن يحرم على نفسه ما أحله الله تعالى له من قول أو عمل ، لا يؤاخذ فيه بمأثم ولا كفارة .

                                                                                                                                            والمذهب السادس : ما قاله الشافعي : أن لغو اليمين ما يسبق به لسانه من غير قصد ولا عقد كقوله : لا والله ، بلى والله ، فلا يؤاخذ فيه بمأثم ولا كفارة ، وهو قول [ ص: 289 ] ابن عباس وعائشة وعطاء وأكثر التابعين ، استدلالا بقول الله تعالى : لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم [ البقرة : 225 ] ، فدل على أن ما لم يقصده بقلبه لم يؤاخذ به وقال : ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان [ المائدة : 89 ] ، فدل على أن ما لم يعقده بعزمه لم يؤاخذ به ، ولما رواه الشافعي عن عائشة في صدر الباب ، وقد رواه حسان بن إبراهيم ، عن عطاء ، عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في لغو اليمين : هو كلام العرب ، لا والله ، وبلى والله .

                                                                                                                                            وروى طاوس ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يمين في غضب فأسقط اليمين في الغضب لسبق اللسان بها وعدم القصد لها : ولأن لغو الكلام عند العرب ما تجرد عن غرض ، وعري عن قصد ، وكان من البوادر والملغاة كما قال الله تعالى : وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه [ القصص : 55 ] ، فكان ما ذهب إليه الشافعي تقتضيه اللغة فيه مع ما قارنه من محايل الشرع .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية