الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 295 ] باب من حلف بطلاق امرأته أن يتزوج عليها

                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رحمه الله : " ومن قال لامرأته : أنت طالق إن تزوجت عليك ، فطلقها واحدة تملك الرجعة ، ثم تزوج عليها في العدة طلقت بالحنث ، وإن كانت بائنا لم يحنث " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح ، إذا قال : إن تزوجت عليك فأنت طالق ثم تزوج عليها لم يخل تزويجه من ثلاثة أحوال :

                                                                                                                                            أحدها : أن يتزوج عليها ، وهي باقية على نكاحه ، فقد طلقت سواء قرب زمان تزويجه أو بعد : لأنه قد جعله شرطا في وقوع الحنث ، فاستوى حكمه في القرب والبعد ، ولا فرق بين أن يتزوج عليها من يكافئها في نسبها وجمالها ، أو تقدم عنها في النسب والجمال ، ووافقنا مالك على هذا ، وإن خالفنا إذا حلف ، ليتزوجن عليها ، على ما سنذكر وإن تزوج عليها بعقد فاسد لم يحنث ؛ لأن فساد العقد يمنع من صحة الشرط ، وسواء دخل بها أو لم يدخل ويجيء على قول مالك أنه يحنث إن دخل بها ، ولا يحنث إن لم يدخل بها ، على معنى قوله : إذا نكح الوليان ودخل الثاني صح عقده .

                                                                                                                                            والحال الثانية : أن يتزوج عليها وقد طلقها طلاقا رجعيا ، فلا يخلو حالها فيه من أن تكون باقية في العدة أو خارجة عنها ، فإن كانت باقية في عدتها طلقت بالحنث أخرى : لأنها لما طلقت في العدة إذا باشرها بالطلاق طلقت بالحنث في الطلاق ، ألا ترى أنه لو حلف بعتق عبده إن باعه ، فباعه عتق عليه بعد بيعه ؛ لأنه لو باشر عتقه في خيار المجلس عتق ، كذلك إذا حلف بعتقه عتق ، وإن تزوج عليها بعد انقضاء عدتها لم يلحقها بالحنث طلاق ؛ لأنه لا يلحقها بالمباشرة طلاق ، فلو تزوجها بعد انقضاء العدة ثم تزوج عليها نظر ، فإن كان قد تزوج عليها بعد انقضاء عدتها وقبل استئناف نكاحها لم تطلق إذا تزوج عليها بعد استئناف نكاحها لسقوط الشرط بالتزويج الأول ، وإن لم يتزوج عليها إلا بعد استئناف العقد الباقي عليها ، ففي حنثه بوقوع الطلاق عليها قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : يطلق لوجود عقد اليمين ، وشرط الحنث في نكاحها .

                                                                                                                                            [ ص: 296 ] والقول الثاني : لا يطلق بالحنث لاختصاص يمينه بنكاح مضى فلم يجز أن يقع الحنث بها في نكاح مستقبل ؛ لأنه لا طلاق قبل نكاح .

                                                                                                                                            والحال الثالثة : أن يتزوج عليها في النكاح ، وهي في عدة من طلاق بائن ، فلا يحنث بطلاقها ؛ لأنه لما لم يقع عليها الطلاق لو باشرها بالطلاق ، كذلك لم تطلق إذا حنث بالطلاق ، فإن تزوجها من بعد نكاح مستجد ، وتزوج عليها بعد أن كان قد تزوج لم يحنث ، ولو تزوج عليها وإن لم يكن قد تزوج ، فإن قيل في الطلاق الرجعي : لا يحنث ، ففي هذا أولى أن لا يحنث ، وإن قيل في الطلاق الرجعي : إنه يحنث ، ففي هذا الطلاق البائن قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : يحنث .

                                                                                                                                            والثاني : لا يحنث ، وقد مضى مثل هذا في كتاب الطلاق مشروحا معللا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية