الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          الفرع الثاني: الإلزام أن يغطي الاستثمار الأنشطة الاقتصادية الضرورية للمجتمع

          يمثل الإلزام بأن يغطي الاستثمار الأنشطة الاقتصادية الضرورية للمجتمع، الأداة الثانية التي استخدمها الإسلام لتحقيق التنمية، كأحد ضوابط المنهج الإسلامي للاستثمار. ويمكن الاستدلال على هـذا النوع من الأدوات بالحكم الإسلامي المعروف: فرض الكفاية . [1] ويعني هـذا [ ص: 100 ] المصطلح أن القيام بما يلزم للجماعة الإسلامية يكون فرض كفاية : إذا قام به البعض سقط الإثم عن الباقين، وبتطبيق هـذا النوع من الأحكام على النشاط الاقتصادي نستنتج أنه إذا كان هـناك نشاط اقتصادي مشروع يلزم للجماعة الإسلامية كضرورة يكون القيام به، أي تنفيذه وتوجيه الاستثمارات إليه فرض كفاية على جميع المسلمين ككل. فإذا قام بهذا الاستثمار ببعض أفراد المجتمع الإسلامي فإن هـذا يكفي، وتسقط المسئولية عن باقي أفراد الجماعة الإسلامية. وفي المقابل، إذ لم يقم بهذا الاستثمار أحد، مع وجود القادرين عليه، تظل المسئولية واقعة على جميع المسلمين وأعتقد أن الشيخ محمود شلتوت قد استند إلى هـذا حين قال: إذا كان من قضايا العقل والدين أن مالا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وكانت عزة الجماعة الإسلامية أول ما يوجبه الإسلام على أهله، وكانت متوقفة على العمد الثلاثة: الزراعة والصناعة والتجارة، كانت هـذه العمد واجبة، وكان تنسيقها على الوجه الذي يحقق خير الأمة واجبا [2] . أريد أن أشير إلى أهمية هـذا النوع الفريد من الأحكام في الإسلام، وهو فرض كفاية، وهو حكم قصد به مواجهة ضروريات سوف تواجه المجتمع الإسلامي. كما أريد أن أشير إلى أننا تعلقنا بهذا الحكم طويلا من خلال تطبيقاته في العبادات، كما أنه ارتبط بفكرنا من حيث ربطه بحالات من الجهاد. والآن وأمام تحديات كثيرة ومعقدة تواجه العالم الإسلامي، هـي في غالبيتها اقتصادية، يحب أن نربط هـذا الحكم الهام، وهو فرض الكفاية، بمثل هـذا النشاط. إن فرض الكفاية كأحد الأحكام الإسلامية، هـو فرض ليس له نظير في التشريعات الوضعية، سواء منها ما تعلق بالاقتصاد أو بغير الاقتصاد. وهو فرض فريد من حيث تكييفه القانوني. هـذه الآداة، أي الإلزام بتغطية كل الأنشطة الاقتصادية اللازمة للمجتمع تعني أن الاستثمارات توجه إلى الأنشطة الضرورية للمجتمع الإسلامي، ولن [ ص: 101 ] ترتبط بمعيار الربح، بمعناه المادي والأناني في الاقتصاد، الذي يعرف الربح بأنه العائد النقدي من الاستثمار. ويكون الاستثمار أعلى ربحية حين يحقق أكبر عائد نقدي. لكن من وجهة النظر الإسلامية، يكون الاستثمار أعلى ربحية حيث يوجه إلى النشاط الاقتصادي الأكثر ضرورية من وجهة النظر الإسلامية.

          وإذا كان الاقتصاديون ينتقدون باستمرار توجيه الاستثمار في البلاد الإسلامية إلى إنتاج السلع الترفية، دور اللهو، والسلع المشابهة، وإهمال إنتاج السلع الضرورية، ويذكر هـذا على أنه أحد أسباب استمرار تخلف هـذه المجموعة من البلاد، فإن الإلزام بهذه الأداة الإسلامية، التي تعني ضرورة توجيه الاستثمارات إلى أوجه النشاط الاقتصادي الضرورية واللازمة للمجتمع، مما يقضي على التخلف الاقتصادي، المسبب عن هـذا الخلل التوجيهي للاستثمارات، وأيضا يعني ذلك أن الاستثمارات تغطي كل ما يلزم للجماعة الإسلامية.

          إن الاقتصاديين ينتقدون دائما في البلاد المختلفة ما يسمى بتضخم الاستثمارات ، أو بطنة الاستثمارات، في بعض الأنشطة الاقتصادية، أو بعض المناطق الاقتصادية، بينما يكون هـناك في المقابل الجوع للاستثمارات، وشدة الحاجة إليها في أنشطة أخرى، أو مناطق أخرى، ويمكن أن نعطي كثيرا من الأمثلة: تركيز الاستثمارات في كل عواصم البلاد الإسلامية ظاهرة منتشرة، يقابل ذلك إهمال خطير للمناطق الأخرى البعيدة عن العواصم.

          وهكذا إذا وضعنا موضع التطبيق هـذه الأداة الإسلامية في الاستثمار، وهو تغطية كل أوجه النشاط الاقتصادي الضروري للمجتمع الإسلامي، فإننا بهذا نقضي على أحد أسباب تخلف العالم الإسلامي الناتج عن إهمال ذلك.

          التالي السابق


          الخدمات العلمية