الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          الفرع الأول: المسئولية الجماعية الإسلامية في الاستثمار

          أعني بهذا المصطلح الالتزامات التي يضعها الإسلام على الجماعة الإسلامية، ممثلة في الدولة للقيام بعمليات الاستثمار اللازمة للمجتمع.

          والأدلة الإسلامية التي يمكن أن تساعدنا في بحث هـذه الجزئية كثيرة منها :

          1- الدليل الأول قوله تعالى : ( ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا ) " النساء : 5 " .

          وجه الدلالة في هـذه الآية، هـو أن الإسلام يلزم ولي الأمر أن يمنع السفيه من التصرف أو استثمار ماله، ويجعل الجماعة الإسلامية، ممثلة في ولي الأمر مسئولة عن ذلك، ومن التفسيرات الدقيقة لهذه الآية ما نقل عن القرطبي من أن مصطلح الضعيف مراد به الصغير، أما مصطلح السفيه الوارد في هـذه [ ص: 108 ] الآية فمراد به الكبير [1] . ومن التعليقات التي قيلت في ذلك: وعلى ذلك يكون تفسير الآية أنه خطاب للجماعة ممثلة في أولياء أمورها بالحجر على السفيه، الذي فقد أهليته للنيابة عن الجماعة في تثمير مالها وحيازته، أي فقد أهليته لوظيفته الاجتماعية، لأن استمرار تصرفه بعد السفه إفساد لمالها من حيث ملاحظة حقها الأصلي، وإضرار بها من حيث النظر الاقتصادي البحت الذي يرى أن مال الجماعة يتأثر بما ينال مال الفرد بسبب السفه أو سوء الاستغلال [2] .

          هذا هـو الدليل الأول الذي ارتبط به. أما المعنى الاقتصادي الذي يريد أن نستنتجه منها فهو: أن الإسلام يوجه الخطاب إلى الجماعة الإسلامية ممثلة في ولي الأمر بشأن يتعلق بالمال الخاص لبعض الأفراد في المجتمع وفي هـذا الخطاب نجد أن الإسلام يضيف المال الخاص إلى الجماعة، وهذه الإضافة تخلق الحس لدى المسلم، وكذا لدى الدولة الإسلامية بالمسئولية المشتركة عن استثمار المال واستغلاله والمحافظة عليه. وإذا كان للجماعة على المال الخاص حق ومسئولية، فإنه يترجم ذلك بلغة العصر الاقتصادية : أن للدولة الإسلامية حق التوجيه أو التخطيط لاستثمار المال. ويشمل هـذا الحق بيقين، مال السفيه ومن على شاكلته، ويمكن أن يشمل استنباطا الحق في توجيه مثال غير السفيه بحيث يكون في خدمة المجتمع.

          من الأدلة التي أستدل بها على المعنى السابق نفسه حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ( ألا من ولي يتيما فليتجر بماله حتى لا تأكله الصدقة. ) يلزم الإسلام هـنا باستثمار مال اليتيم. ويناظر هـذا، الإلزام الذي أشارت إليه الآية السابقة.

          يمثل عمل الإسلام على غرس الإحساس بالمسئولية الجماعية نحو استثمار رأس المال الأساس الأول لحق الدولة الإسلامية في التدخل في استثمار رءوس [ ص: 109 ] الأموال الخاصة. والمسئولية الجماعية هـي تعبير آخر عن المسئولية المشتركة عن استثمار المال الخاص، بين صاحبه من جانب، وبين ولي الأمر من جانب آخر.

          التالي السابق


          الخدمات العلمية