الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          معلومات الكتاب

          في الاقتصاد الإسلامي (المرتكزات - التوزيع - الاستثمار - النظام المالي)

          الدكتور / رفعت السيد العوضي

          المبحث الثالث

          وظائف النظام المالي الإسلامي

          تطورت المالية العامة من حيث الوظائف التي تؤديها، فقد اقتصرت وظائفها في البداية على تمويل وظائف الدولة الثلاث، وهي الدفاع والأمن والقضاء، وكان ذلك متلائما مع فكرة الدولة الحارسة، التي لا تتدخل في الاقتصاد. أما في القرن العشرين وخاصة منذ الأزمة الاقتصادية الكبرى في الثلاثينيات فقد تطورت وظائف المالية تطورا واسعا يتلاءم مع فكرة الدولة المتدخلة في الاقتصاد.وأحدث الاتجاهات في تحديد الوظائف التي تؤديها الدولة من خلال المالية العامة يتأسس على أن الدولة تؤدي ثلاث وظائف.

          - وظيفة تخصيص الموارد.

          - وظيفة إعادة توزيع الدخل.

          - وظيفة الاستقرار والنمو الاقتصادي.

          عندما نتكلم عن النظام المالي الإسلامي فإنه يلزم أن يكون من بين الموضوعات، التي تعطى لها أهمية، تحديد الوظائف التي يؤديها النظام المالي الإسلامي، وما أراه بشأن تحديد هـذه الوظائف، هـو أن ندخل إليها من القاعدة التي سبق عرضها في الفرع السابق، وهي قاعدة تخصيص الإيرادات، وهي القاعدة التي تحكم النظام المالي الإسلامي. وذلك لأن تخصيص الإيرادات تتضمن الأغراض التي تتحقق من ذلك، أي يتضمن تحديد وظائف النظام المالي الإسلامي.

          تحليل عناصر النظام المالي الإسلامي، وهي الإيرادات والنفقات يبين أن الوظائف التي تؤدي بواسطة هـذا النظام هـي:

          أولا: وظيفة الضمان الاجتماعي، ويظهر في هـذه الوظيفة العناصر التالية: [ ص: 134 ]

          1- ضمان حد أدنى من الدخل للذين عجزوا بوسائلهم الخاصة من حيث العمل والملكية عن توفير هـذا الحد. وتظهر العناصر الآتية:

          أ - أصحاب الحاجة من الفقراء والمساكين. وبالنسبة لهذه المجموعة يعمل الإسلام على توفير حد أدنى من الدخول لهذا النوع من أصحاب الحاجة.

          ب - أصحاب الحاجة بسبب الرق ( عندما كان قائما ) ، ومن الفقهاء المحدثين من يرى أن سهم " في الرقاب " يمكن أن يصرف لأسرى المسلمين، كما يمكن صرفه للأقليات الإسلامية، التي تقع تحت حصار الأغلبيات غير المسلمة، التي تعيش معها.

          جـ الغارمون ومنهم الذين استدانو لإصلاح ذات البين، فيعطون في إطار النظام المالي الإسلامي تشجيعا لهذا النوع من الأعمال، الذي يحفظ الوئام للمجتمع الإسلامي.

          دـ مجموعة من العناصر الأخرى تظهر في هـذه الحقيقة، ومنها الإعانة على التعليم، والإعانة على الزواج، وغير ذلك من الأعمال ذات الطابع الاجتماعي. ويمكن الوقوف على تفصيل ذلك بدراسة حالة المجتمع الإسلامي في عهد عمر بن عبد العزيز ، عندما جمعت الزكاة ولم يوجد مستحقين لها فوجهها عمر إلى إنفاقات جديدة.

          2- يتضمن أداء هـذه الوظيفة إحداث نوع من التوازن الاجتماعي والاقتصادي في المجتمع الإسلامي.

          3- تمد مظلة التأمين في هـذه الوظيفة فتشمل غير المسلمين، الذين يعيشون في ظل الدولة الإسلامية.

          4- هـذه هـي الوظيفة الأولى للمالية الإسلامية، والوظيفة التي تناظرها في المالية العامة، هـي وظيفة إعادة التوزيع، ويتبين من مقارنة الوظيفتين أن الأداء الاجتماعي للوظيفة الإسلامية أكفأ، وذلك من حيث العناصر التي تشملها، إذ أنها تتضمن عناصر ليس لها نظير في المالية العامة، في الاقتصاد الوضعي.

          وتظهر كفاءة الوظيفة الإسلامية في الضمان الاجتماعي أيضا من حيث إن مرتكزها يتحدد في علاج الحاجة، بينما نظيرها في المالية العامة، يدور حول [ ص: 135 ] فكرة إعادة توزيع الدخل والثروة، وهي فكرة مرتبطة بالصراع كما أنها تتضمن الاعتداء على الملكية الخاصة.

          ثانيا: وظيفة المصالح العامة ؛ ويدخل في هـذه الوظيفة كل ما يكون ضروريا للمجتمع الإسلامي، ومن ذلك ما يلزم للدفاع والأمن، ويدخل أيضا ما يلزم للتنمية، إذا كان المجتمع الإسلامي في حالة تخلف.

          ثالثا: وظيفة مواجهة الحالات الطارئة وغير العادية مثل المجاعات والحروب وغير ذلك مما ذكره الفقهاء. وتمول هـذه الوظيفة في النظام المالي الإسلامي، بما يكون موجودا في بيت المال، فإذا لم يكن به فللحاكم أن يوظف على الأغنياء بقدر ما يزيل الحاجة التي وظف لها ( التوظيف تناظره الضرائب في المالية العامة ) .

          رابعا: وظيفة تحقيق التوازن والاستقرار بين أجيال الأمة الإسلامية. ومن الموارد التي استخدمت لأداء هـذه الوظيفة أرض السواد ، وهو ما فعله عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وكان من أقواله في ذلك: " إذا وزعت هـذه الأرض فماذا يبقى لمن يجيء بعدكم.

          " خامسا: وظيفة تخصيص الموارد الاقتصادية؛ وهي وظيفة تبحث في توزيع الموارد الاقتصادية المتاحة في المجتمع على الأنشطة الاقتصادية، التي تلزم له، كما يدخل فيها أيضا توزيع الموارد بين القطاعين العام والخاص. وهذه الوظيفة عمل الإسلام على تأديتها بواسطة الأموال التي تمتلكها الدولة، ومنها:

          1- أرضى الحمى.

          2- الأرض المفتوحة.

          3- المناجم والمعادن.

          4- المرافق الأساسية الضرورية للمجتمع، والتي يشير إليها حديث الرسول صلى الله عليه وسلم : ( الناس شركاء في ثلاثة: الماء والكلأ والنار. ) [ ص: 136 ] وعند المقابلة بين هـذه الوظيفة في النظام المالي الإسلامي، وفي المالية العامة، يتبين أن أداءها في الإسلام أكفأ لأن الدولة تؤديها من خلال ملكيتها، بينما في المالية العامة في النظام الرأسمالي تحاول الدولة تأديتها بالتدخل في الأثمان، وهذا النوع من التدخل قد يحقق هـذه الوظيفة، كما أنه قد لا يحققها. [ ص: 137 ]

          التالي السابق


          الخدمات العلمية