الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          معلومات الكتاب

          في الاقتصاد الإسلامي (المرتكزات - التوزيع - الاستثمار - النظام المالي)

          الدكتور / رفعت السيد العوضي

          المبحث الثاني

          إيرادات النظام المالي الإسلامي (دراسة تحليلية)

          نحاول في هـذه الفقرة التعريف بإيرادات النظام الإسلامي. وما أراه ملائما لعرض هـذا الموضوع في دراستنا هـو ألا ندخل في دراسة فقهية واسعة، ذلك أن فقه هـذه الإيرادات معروف، والكتابات المتاحة عنه كثيرة، سواء في كتب الفقه القديمة، أو في الكتابات الحديثة، وإنما ما أراه ملائما لدراستنا هـو أن نشير إلى عناصر هـذه الإيرادات مع تضمين ذلك رؤية تحليلية مالية.

          ونعني بالتحليل المالي أن نناقش ما يتعلق بهذه الإيرادات من حيث الوعاء الذي تقع عليه، ومن حيث الدورية أو عدم الدورية، وغير ذلك مما هـو معروف في دراسة النظم المالية.

          عناصر في إيرادات النظام المالي الإسلامي

          1- الإيرادات التي تنظم بها مالية الدولة الإسلامية تشمل الإيرادات التي تعرف في المالية العامة تحت مصطلح الضرائب والرسوم، وتشمل نوعا آخر من الإيرادات هـي إيرادات الدولة من ممتلكاتها. من أمثلة النوع الأول: الزكاة، والخراج . ومن أمثلة النوع الثاني

          ( إيرادات الدولة من ممتلكاتها) : إيرادها من الأرض المعروفة باسم أرض السواد. والمعنى الاقتصادي لظهور نوعي الإيرادات في التنظيم المالي الإسلامي هـو أن الاقتصاد الإسلامي من حيث طبيعته المذهبية ليس من قبيل الاقتصاديات الفردية، وليس من قبيل اقتصاديات التدخل أو التخطيط. [ ص: 131 ]

          2- وضع العشور (على غير المسلمين) ضمن الإيرادات المالية للدولة الإسلامية، وهي تقابل حديثا الرسوم أو الضرائب الجمركية. ويكشف ما قاله الفقهاء، عن تنظيم متقدم لهذا النوع من الالتزامات المالية؛ فالمال الذي يخضع لفرض العشور عليه هـو ما يكون للتجارة، وهذا مبدأ لقانون جمركي يعكس تنظيما متقدما، وفي المناقشة التي يذكرها الفقهاء عن ذلك ما يسمح أن نبحث موضوع منع ازدواج الضرائب الجمركية ، وذلك فيما ذكروه عن منع خضوع المال نفسه للضريبة الجمركية مرتين.

          3- تحليل عناصر الإيرادات يبين أنه لا يوجد مال يعفى من الخضوع للالتزامات المالية في الاقتصاد الإسلامي، وأيضا لا يوجد نشاط اقتصادي مميز بعدم الدخول، أو المساهمة في وعاء مالية الدولة الإسلامية، وإذا ثبت هـذا فإن مما يثبت أيضا اختلاف المعدل الذي يقتطع به من كل مال، ويكشف التحليل الاقتصادي أن اختلاف المعدل يربط إما بالتفاوت في التكلفة الخاصة بكل مال أو نشاط اقتصادي، وإما بصفة خاصة بهذا المال. ومثال النوع الأخير: فرض الخمس على الركاز .

          4- يدخل في الوعاء المالي للدولة الإسلامية: المسلمون، ويدخل معهم أيضا غير المسلمين، الذين يقيمون إقامة مشروعة في الأراضي الإسلامية.

          ويشير ذلك إلى درجة المساواة الاقتصادية في الدولة الإسلامية وهذا برغم اختلاف المعدل الذي يفرض به الالتزام المالي أو اختلاف مسمى هـذا الالتزام.

          5- ضريبة الرءوس ضريبة شبه غائبة في النظام المالي الإسلامي، بل لا نتعدى الحقيقة إذا قلنا: إنها غائبة، لا تفرض ضريبة الرأس على المسلم، وما يقع عليه من التزامات فإنما يرد على ماله، ولا يمكن أن نعد زكاة الفطر من قبيل الضريبة على الرءوس. وضريبة الرءوس على غير المسلمين تتمثل في الجزية ، ويتبين من تحليل هـذا الإلزام المالي أن الجزية تفرض على غير المسلمين بشروطها، مقابل الزكاة التي فرضت على المسلمين، والزكاة هـي التزام يرد على المال، وليس على الشخص، وكأن الجزية بهذا هـي إلزام يقع [ ص: 132 ] على مال. وبجانب ذلك فإن في التشريع الإسلامي للجزية جوانب أخرى تجعل الضريبة على الرأس فكرة يمكن أن تغيب في الاقتصاد الإسلامي، من ذلك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، استبدل الجزية عن نصارى بني تغلب لأسباب ارتآها وضاعف عليهم الصدقة، أي أنه أسقط ضريبة الرأس واستبدلها بالتزام يقع على المال [1] . [ ص: 133 ]

          التالي السابق


          الخدمات العلمية