الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          تمهيد

          1- أخصص هـذا الفصل لإجراء مناقشة حول موضوع الاستثمار في الاقتصاد الإسلامي وهذا هـو المستهدف بهذا الفصل، ولكن كما يبدو من العنوان: أن المدخل الذي أخذته للدخول إلى هـذا الموضوع هـو من خلال ضوابطه، كما أنني ربطته بالملكية واستخدامها، وهذا يحتاج إلى توضيح.

          مناقشة الاستثمار فيها عناصر كثيرة، وقد اخترت أن أناقش بعضها، باعتبارها ضوابط يضبط بها الإسلام الاستثمار، بقصد ترشيده. ومن بين ما أقصده بذلك هـو الإشارة إلى أن الاستثمار في إطار الاقتصاد الإسلامي ليس له بعد واحد هـو الربح للقائم به، وإنما الأمر في الإسلام أعمق من هـذا وأعقد، فليس الأمر هـو أن شخصا معه رأسمال يأخذ قرارا بتشغيله لأن له ربحا، وإنما الأمر في الإسلام كما قلت أعمق وأعقد، إن الإسلام أخضع ذلك لتشريعات تضبط القائم بهذا العمل (المستثمر ) في سلوكه في ماله، ومع نفسه، ومع [ ص: 75 ] المجتمع الذي يعيش فيه، بل تضبط القائم بذلك في إطار العقيدة.

          ثم إنه من خلال العنوان، ربطت الاستثمار بالملكية واستخداماتها، ذلك أنه وكما هـو معروف إسلاميا أن أمر الاستثمار هـو تفريع على الملكية، وليس قرارا منفصلا بذاته، كما يتعامل معه الاقتصاد الوضعي، ولهذا فقد أعملت ما هـو مقرر إسلاميا، فربطت الاستثمار بالملكية.

          ثم إنه وكما ظهر في العنوان، فإن أمر استثمار الملكية في الإسلام هـو من قبيل الاستخدامات الواقعة عليها، وهذا ما جعلت العنوان يبرزه، وليس العنوان فحسب، وإنما المناقشة التي جاءت في هـذا الفصل كله أفادت أن الاستثمار هـو أمر في إطار استخدام الملكية، ودلالة هـذا أن قرار الاستثمار ليس منفصلا من بقية استخدامات الملكية، أي ليس قرارا منفصلا بذاته.

          2- موضوع الاستثمار مربوطا إلى الملكية وإلى استخداماتها الأخرى، فيه فقه واسع. وللفقهاء مصطلحاتهم التي استخدموها في هـذا الصدد، ومن هـذه المصطلحات: الملكية والثروة والمال، وباعتبار أننا نعالج هـذا الموضوع اقتصاديا فإن للاقتصاد أيضا مصطلحاته وفيها رأس المال مثلا، وهذه المصطلحات بنوعيها الفقهية والاقتصادية استخدمت في هـذا الفصل، فلم أهمل المصطلحات الفقهية إعمالا لما قلته في الفصل الأول، من الربط بين علم الفقه، وعلم الاقتصاد الإسلامي، ولم أهمل المصطلحات الاقتصادية، حتى تجيء دراستنا في إطار المساهمة في علم الاقتصاد الإسلامي.

          3- فقه هـذا الموضوع الذي بني عليه الاستنتاج الاقتصادي الذي جاء بهذا الفصل يحتاج إلى توضيح، ذلك أننى لم أعمد إلى تجميع كل فقه هـذا الموضوع أولا، ثم الانتقال منه إلى التحليل الاقتصادي، وإنما اخترت منهجا لعل فيه ملاءمة، إن فقه هـذا الموضوع جاء في بعض الإشارات التي ذكرتها في الفصل الأول، وكثير منه جاء في الفصل الثاني، ولذلك لم أحاول تكرار ما ذكرته هـناك، أما ما ذكرته من فقه الموضوع في هـذا الفصل الثالث، فجاء في صورة بعض الأدلة التي رأيت فيها ربطا قويا مع عناصر في اقتصاد هـذا الموضوع.

          وهذا ما يظهره تتبع المناقشة في هـذا الفصل، ولم أكتف بكل ذلك، وإنما أحلت خلال المناقشة إلى بعض الأحكام الفقهية المتعلقة بموضوعنا، والمعروفة في هـذا الصدد. [ ص: 76 ]

          4- يبقى في التمهيد لموضوع هـذا الفصل أن أوضح المقصود بكلمة ضوابط التي جاءت بالعنوان.

          تعني ضوابط استثمار الملكية واستخداماتها: القواعد والالتزامات التي ينظم بها الإسلام سلوك من بيده المال في المجتمع، بمعنى أنه إذ كان الإسلام قد أعطى للأفراد حق تملك المال ملكية خاصة، كما أعطى لهم حق استثمار هـذا المال في الأنشطة الاقتصادية التي يختارونها، إنه إذا كان قد أعطى لهم هـذه الحقوق، فإنه أخضع ذلك لمجموعة من القيود والقواعد، وهذا هـو ما أقصده بالضوابط، وإذن تكون الضوابط بالمعنى، الذي أقصده المبادئ والقواعد، التي يجب أن يعمل مالك المال أي متخذ قرار الاستثمار، واستخدام المال، على أن يحققها ويكون الإخلال بهذه القواعد إخلالا بالمنهج الإسلامي في استخدام المال واستثماره.

          وفكرة وجود ضوابط ومعايير، هـي فكرة لا يمكن أن يستغني عنها أي منهج، وإذا كنا نتكلم عن منهج إسلامي في مجال الاقتصاد، فإنه من الطبيعي أن يكون لهذا المنهج ضوابطه ومعاييره، في كل مفردات الاقتصاد، ومنها الملكية من حيث تشغيلها والتصرف فيها، وتكون مهمتنا أن نكتشف هـذه الضوابط والمعايير.

          في ضوء ذلك أعرض بعض هـذه الضوابط وهي:

          أولا: اعتبار العقيدة الإسلامية.

          ثانيا: علاج وضبط الصراع الاجتماعي.

          ثالثا: تحقيق التنمية.

          رابعا: توجيه أو تخطيط الاستثمار.

          ويمكن أن نصنف هـذه الضوابط الأربعة إلى مجموعتين تتضمن المجموعة الأولى الضابطين الأولين، وهما: اعتبار العقيدة الإسلامية، وعلاج وضبط الصراع الاجتماعي، ونسمي هـذه المجموعة بالضوابط العقائدية أو المعنوية، أما المجموعة الثانية فإنها تشمل الضابطين الأخيرين وهما: تحقيق التنمية، وتوجيه أو تخطيط الاستثمار، ونسميها الضوابط الاقتصادية. [ ص: 77 ]

          التالي السابق


          الخدمات العلمية