الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إدراك الواقع وأثره في ضبط الفتوى (الفتوى الاقتصادية نموذجا)

الدكتور / محمد محمود الجمال

المطلب الأول

توزيع الفائض في شركات التأمين الإسلامي

وأهدف إلى التعرف على التصرف الأمثل للفائض التأميني، للوقوف على الفتوى المناسبة، وذلك بمناقشة عدد من الافتراضات أبرزها: هل يمكن اقتطاع جزء من الفائض لمواجهة مخاطر العجز في صندوق التأمين التعاوني أو نسبة منه لمواجهة مخاطر الكوارث الطبيعية، أو جزء أو نسبة منه للجهة المديرة مقابل أعمالها، أو الجمع لها بين نسبة من مبلغ الاشتراكات ونسبة من الفائض للجهة المديرة مقابل الإدارة؟

ولهذا يمكن تقسيم هذا المطلب إلى الفروع الآتية:

الفرع الأول: مفهوم الفائض التأميني.

الفرع الثاني: مدى إمكانية الاقتطاع من الفائض التأميني لمواجهة مخاطر العجز في صندوق التأمين التعاوني أو لمواجهة مخاطر الكوارث الطبيعية.

الفرع الثالث: مدى إمكانية الاقتطاع من الفائض التأميني للجهة المديرة على إدارتها، أو مع نسبة من مبلغ الاشتراكات.

وفيما يأتي تفصيل ذلك: [ ص: 83 ]

الفرع الأول: مفهوم الفائض التأميني:

التكافل سمة المجتمعات الإسلامية، ومع تعقد الحياة وتطورها لم تعد أدوات التكافل ذات النمط البسيط تسعف المنكوبين من مصائب الدهر ومدلهمات الزمان، فكان لابد من تطوير آليات التكافل المعروفة واستحداث غيرها، ومن هنا تبلورت صورة التأمين التعاوني، التي تقوم بها شركات التأمين الإسلامية؛ وذلك بتوزيع عبء الأضرار الناجمة عن وقوع الأخطار المؤمن عليها على مجموع الأفراد وليس فردا واحدا يتحمل أعباء مالية جسيمة تلقى على كاهله، وبهذا يقوم نظام التأمين الإسلامي على التعاون على تفتيت الأخطار والاشتراك في تحمل المسؤولية عند نزول الكوارث

[1] .

وتتكون شركة التأمين الإسلامية من المساهمين (هيئة المساهمين(، والمشتركين حملة الوثائق (مجمـوع المشتركين)، والإدارة التي يملكها المساهمون. أما المؤسسون: فهم من يضع الجزء الأول من رأس مال الشركة ويوقع على عقد التأسيس والنظام الأساس؛ وعليهم عبء إنشاء الشركة ومتابعة إجراءاتها، والدعوة للمساهمة فيها، ويلتزم المساهمون بتغطية عجز صندوق المشتركين [ ص: 84 ] على سبيل القرض الحسن. وأما المشتركون: فهم حملة وثائق التأمين، وعليهم دفع أقساط التأمين على صفة التبرع لصندوق المشتركين، الذي تعوض منه الأضرار، التي تلحق بهم أو بأحدهم، وتغطية ما يلزم من احتياجات ونفقات ومصروفات إدارية وغيرها [2] .

وأما إدارة شركة التأمين: فهي الإدارة، التي يختارها المساهمون من خلال جمعيتهم العمومية للقيام بإدارة نشاط التأمين من إعداد الوثائق وجمع الاشتراكات ودفع التعويضات وغيرها من الأعمال الفنية، ويقوم المساهمون في الشركة بأعمال الإدارة مقابل أجرة معلومة هي نسبة تقتطع من الاشتراكات، وباستثمار أموالهم (رأس مال المقدم منهم)، وتحصيل عوائدها (وبالطبع تحمل مخاطرها) وباستثمار أموال التأمين المقدمة من حملة الوثائق مقابل نسبة من عوائد الاستثمار بصفتهم شريكا مضاربا [3] .

وعليه: فشركة التأمين الإسلامية تمتلك وعاءين منفصلين عن بعضهما البعض: الأول: حساب هيئة المالكين (حملة الأسهم)، والثاني: حساب هيئة المشتركين (حملة الوثائق)، وهو وعاء التأمين. [ ص: 85 ]

هذا، و"الفائض التأميني" مصطلح خاص بصناعة التأمين؛ نتج من طبيعة التأمين الإسلامي والعلاقات المختلفة بين أطرافه، بخلاف شركات التأمـين التـقـلـيـدية، الـتي لا تعـرفـه؛ لأنـها لا تـوزع أية فوائض على حملة الوثائق وتكتفي بدفع التعويضات خلال الفترة المتفق عليها عند وقوع الأخطار المؤمن عليها.

ويـمكن تعريف الفائض التأميني بأنه: "المال المتبقي في حساب المستأمنين من مجموع الأقساط، التي دفعها المشتركون، في جميع العمليات التأمينية والفنية ذات العلاقة بنشاط الشركة، مضافا إليها أرباح الاستثمارات الشرعية لتلك الأقساط المخصصة لهم، وعوائد عمليات إعادة التأمين، مخصوما منها: التعويضات المدفوعة للمستأمنين والاحتياطيات الفنية، وكذلك مصاريف إعادة التأمين. [4] أو هو: "الزيادة في الاشتراكات على التعويضات والمصروفات". [5]

وعلى ذلك: فالفائض التأميـني لا يعد ربحا؛ لأنـه لم ينتج مـن معاوضـة، ومن ثم فهو زيادة في التحصيل في حساب هيئة المشتركين، والأصل فيه أن [ ص: 86 ] يكون متوازنا بمعنى أن تتساوى إيراداته مع مصروفاته دون زيادة ولا نقصان، وهذا يتطلب دقـة تحديد مبالغ الاشتراكات من إدارة الشركة بناء على تقدير الخبراء والحسابات الاكتوارية ونحوها، غير أن هذا الوضع نادر الحدوث.

ولوجود الفائض أسباب منها: نجاح المدراء في ضغط المصروفات، وقدرة خبراء التأمين على قياس المخاطر بشكل دقيق، وحسن توظيف أموال صندوق هيئة المشتركين في استثمارات ذوات عوائد متميزة ضمن مستويات المخاطر المسـمـوح بـها، وتحـديد مبالـغ الاشتراكات عنـد الحـد الأعـلـى، وكفـاءة المـوارد البشرية وتخصصها، كل ذلك حري بإيجاد فوائض مالية في الصندوق عند نهاية المدة [6] .

التالي السابق


الخدمات العلمية