الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        معلومات الكتاب

        الاستيعاب الحضاري للقيم الإنسانية

        الأستاذ / عبد العال بوخلخال

        2- الضمانات والأسس:

        إن الديمقراطية -وفي ضوء ما سبق- إن أحسنا قراءتها، سنجد أنها أساسا تمركزت حول مفهوم (تحرير الإنسان)، فهي قبل أن تكون نصا قانونيا يمنح السلطة للشعب، هي مسار تربوي وتثقيفي يتحرر بموجبه (الفرد) من رذيلتين، هما في الحقيقة نافيتان للديمقراطية، رذيلة الشعور نحو الأنا (بالعبودية)، ورذيلة الشعور نحو الآخر (بالاستعباد)، فلا يمكن إذن أن تتأسس ديمقراطية، في مجتمع للفرد فيه قابلية الاستعباد، أو للحاكم فيه نزعة الاستبداد.

        فجوهر أو مضمون الديمقراطية الغربية "هو الاعتراف بقيمة ذاتية للإنسان، يكتسب بمقتضياتها جملة من الحقوق الفعلية تضمن كرامته وحقه في المشاركة الفعالة في إدارة الشؤون العامة، والقدرة على الضغط على الحاكمين [ ص: 155 ] والتأثير فيهم من خلال ما تملكه من أدوات المشاركة والضغط والتأثير في صنع المصير، والأمن من التعسف والاستبداد" [1] .

        ثم تأتي بعد ذلك الضمانات القانونية والاجتماعية لتعزيز هذا المضمون الجوهري.

        فنجد من أسس الديمقراطية الغربية، جملة من المفاهيم، التي قد تصاغ في آليات عملية، ولكن قبل ذلك تتأسس كأفكار ومبادئ نظرية، وهي التي تعطي للديمقراطية الغربية شكلها أو هي - إن شئنا - الترجمة الواقعية لمضمونها الدائر حول الاعتراف بكرامة الانسان.

        من هذه الأسس:

        التحررية؛ التمثيل؛ المساواة؛ التعددية؛ التنافس.

        لقد كانت هذه هي المضامين والضمانات الأساسية للديمقراطية الغربية، وقد خضعت أيضا، بحكم قانون السيرورة التاريخية، للتطور بما يتوافق مع ظروف الغرب، بعد الحرب العالمية الثانية [2] ..

        وقبل أن نترك هذا المبحث، يعترضنا سؤال:

        هل للديمقراطية مستقبل؟ أو بشكل أدق: هل مازال للديمقراطية وجود في الغرب؟

        ذلك أن هذه الديمقراطية، التي لا تزال مطمعا وحلما للعديد من الشعوب خارج الدائرة الغربية، ومنها المجتمع العربي والإسلامي، تتعرض الآن، كغيرها من [ ص: 156 ] المفاهيم والقيم الغربية، في الغرب ذاته إلى انتقادات، تصل في كثير من الأحيان إلى إعلان موتها أو نهايتها، ويمكننا أن نشير في هذا المقام إلى كتابين طرحا فكرة (نهاية الديمقراطية)، وهما مثالان من بين كتابات عديدة.

        الأول: كتاب (فخ العولمة) [3] ، تأليف الألمانيين ( هانس بيترمارتين وهارالد شومان)، فقد جعل له المؤلفان، عنوانا فرعيا: (الاعتداء على الديمقراطية والرفاهية)، وهما يريان أن (العولمة) بآلياتها المختلفة، ستجعل الديمقراطية وسيلة لخدمة أصحاب المصالح، وأن (الديمقراطية في المصيدة) [4] ، مصيدة العولمة.

        فالديمقراطية في ظل العولمة "هي تلك التي تدافع عن و-تحمي- مصالح الأثرياء والمتفوقين اقتصاديا، وتضر بالعمال وبالطبقة الوسطى.. وهي المسؤولة عن كثير من مظاهر الثورات الاجتماعية المتصاعدة في مختلف أصقاع المعمورة" [5] .

        الثانـي: وهو كتاب (نهاية الديمقراطية) لمؤلفه (جان ماري جوينو)، وهو أكثر صراحة وتشاؤما من مؤلفي (فخ العولمة)؛ لأنه لا يرى مثلهما [ ص: 157 ] انحراف الديمقراطية عن خدمة مصالح الإنسان، وإنما يرى نهايتها، مستندا في ذلك إلى نهاية حاملها الاجتماعي.

        فهو يرى (نهاية الأمم) و (نهاية السياسة) و (نهاية الحرية)... وهذه وغيرها أفكار عالجها المؤلف، ليضعنا أمام سؤال: (ما الذي بقي من الديمقراطية وقد ضاع جوهرها)؟ وهو يلخص الحالة بقوله: "فلا داعي للدهشة إذن، إذا كان الناخبون في أكثر الديمقراطيات (تقدما) لا يقبلون على الانتخابات إلا بأعداد قليلة، وأن غالبية الرجال السياسيين فقدوا احترام مواطنيهم لهم" [6] .

        هل يكون حديثنا نحن العرب عن الديمقراطية، وسجالاتنا حولها، دورانا حول الفراغ والوهم؟

        أم أن الديمقراطية المقصودة بالموت هي الديمقراطية الغربية؟

        وإنه بإمكاننا أن نتحدث عن ديمقراطية في الإسلام تختلف أو تتفق مع الديمقراطية الغربية، شأنها شـأن الحداثة وما بعد الحداثة؟

        هذا ما سيتضح في المبحث الموالي. [ ص: 158 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية