الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        معلومات الكتاب

        الاستيعاب الحضاري للقيم الإنسانية

        الأستاذ / عبد العال بوخلخال

        المبحث الثاني

        الخاتمية والاستيعاب في ظل الدوام

        بعد أن تحدثنا في المبحث السابق، عن الفكرة الأولى في مسألة الاستيعاب الحضاري، التي يتميز بـها الإسـلام، وهي كون الإسلام، كدين، إنما جاء أساسا يتعامل مع الإنسان باعتباره صانعا للحضارة، ويدعوه لبنائها في ظل مفاهيم (الخلافة) و (العمارة) و (العبادة).

        سنتحدث في هذا المبحث عن مفهوم آخر، يعزز فكرة الاستيعاب الحضاري، وهو مفهوم (الخاتمية).

        خاتمية هذه الرسالة، التي جاءت تحث الإنسان على بناء الحضارة.

        وسنتناول الحديث عن الخاتمية من خلال نقطتين: مفهومها، ثم مقتضياتها وعلاقتها بفكرة الاستيعاب الحضاري.

        1- مفهوم الخاتمية:

        النبي صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء، ورسالته هي خاتمة الرسالات، وكتابه هو خاتم الكتب... هذا ما نعنيه بالخاتمية، وهي من المسائل المحسومة عندنا عقديا، والإجماع منعقد على الأخذ بها وتكفير مخالفها [1] . [ ص: 39 ]

        وهذا ما يثبته القرآن الكريم، وتؤكده السنة الشريفة، وقد اهتم علماء العقائد بهذا الموضوع، فشرحوا المسألة، وردوا على منكري ختم النبوة [2] ...

        وليس يعنينا في هذا المقام، تفصيل تلك الردود والمناقشات، وإنما غرضنا أن نتناول المسألة من الزاوية التي لها علاقة بموضوع بحثنا، أعني علاقة ختم النبوة بقضية الاستيعاب الحضاري لما يستجد في دنيا الإنسان.

        ولهذا سنكتفي في هذا العنصر، بالإشارة إلى بعض النصوص (قرآنا وسنة)، التي أكدت هذه المسألة، ليكون عرضها تمهيدا لما سيأتي.

        ففي القرآن الكريم قوله تعالى: ( ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما ) (الأحزاب:40)... فالنـص هنا حاسم في إثبات الرسالة بصفة الخاتمية للرسول صلى الله عليه وسلم .

        أما الأحاديث، فكثيرة بلغت حد التواتر [3] ، نذكر منها ثلاثة شواهد:

        1- قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي، وسيكون خلفاء ... ) [4] . [ ص: 40 ]

        فهذا الحديث يشير إلى ما ذكرناه سابقا، من أن الإسلام في صيغته الخاتمة جاء منسجما مع الطور الذي بلغته البشرية في زمن النبي الخاتم، فلم يعد الإنسان بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة إلى نبي جديد ومعجزات جديدة، بل يكفي أن يقوم (خليفة) ليسوس الناس وفق منهج النبي الخاتم.

        2- قال صلى الله عليه وسلم : ( إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به، ويعجبون له، ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة؟ قال: فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين ) [5] .

        ففي هذا الحديث - زيادة على مفهوم الخاتمية - نجد إشارة إلى التكامل بين الأنبياء في تبليغ دين الله الواحد، والحكمة من إرسالهم تباعا، وكيف أنهم كلهم كانوا يمهدون للنبي الخاتم، بشريعته التي تبلغ قمة الكمال والجمال، وبه يتم اكتمال بناء الدين الحـق، متـوافـقا مع الإنسان في آخر أطوار كمالاته العقلية والنفسية.

        3- قال صلى الله عليه وسلم : ( أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي، الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب الذي ليس بعدي نبي ) [6] . [ ص: 41 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية