الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          معلومات الكتاب

          الإحكام في أصول الأحكام

          الآمدي - علي بن محمد الآمدي

          القسم الثاني

          في شرائط وجوب العمل بخبر الواحد وما يتشعب عنها من المسائل ، أما الشروط فمنها ما لا بد منها ، ومنها ما ظن أنها شروط وليست كذلك .

          أما الشروط المعتبرة فهي أربعة :

          الشرط الأول : أن يكون الراوي مكلفا [1] .

          وذلك لأن من لا يكون مكلفا ، إما أن يكون بحيث لا يقدر على الضبط والاحتراز فيما يتحمله ويؤديه ، كالمجنون والصبي غير المميز فلا تقبل روايته [2] لتمكن الخلل فيها .

          وإما أن يكون بحيث يقدر على الضبط والمعرفة ، كالصبي المميز والمراهق الذي لم يبق بينه وبين البلوغ سوى الزمان اليسير ، فلا تقبل روايته [3] لا لعدم ضبطه ، فإنه قادر عليه متمكن منه ، ولا لما قيل من أنه لا يقبل إقراره على نفسه ، فلا يقبل قوله على غيره بطريق الأولى ؛ لأنه منتقض بالعبد وبالمحجور عليه ، فإنه لا يقبل إقراره على نفسه وروايته مقبولة بالإجماع ، بل لأنا أجمعنا على عدم قبول رواية الفاسق ، لاحتمال كذبه ، مع أنه يخاف الله ( تعالى ) لكونه مكلفا فاحتمال الكذب من الصبي مع أنه لا يخاف الله تعالى لعدم تكليفه يكون أظهر [ ص: 72 ] من احتمال الكذب في حق الفاسق ، فكان أولى بالرد ، ولا يلزم من قبول قوله في إخباره أنه متطهر ، حتى إنه يصح الاقتداء به في الصلاة ، مع أن الظن بكونه متطهرا شرط في صحة الاقتداء به وقبول [4] روايته ؛ لأن الاحتياط والتحفظ في الرواية أشد منه في الاقتداء به في الصلاة ؛ ولهذا صح الاقتداء بالفاسق عند ظن طهارته ، ولا تقبل روايته وإن ظن صدقه .

          ومن قال بقبول شهادة الصبيان فيما يجري بينهم من الجنايات [5] فإنما كان اعتماده في ذلك على أن الجنايات فيما بينهم مما تكثر ، وأن الحاجة ماسة إلى معرفة ذلك بالقرائن ، وهي شهادتهم مع كثرتهم قبل تفرقهم ، وليس ذلك جاريا على منهاج الشهادة ولا الرواية [6] .

          وهذا بخلاف ما إذا تحمل الرواية قبل البلوغ ، وكان ضابطا لها ، وأداها بعد البلوغ وظهور رشده في دينه ، فإنها تكون مقبولة ؛ لأنه لا خلل في تحمله ولا في أدائه ، ويدل على قبول روايته الإجماع والمعقول .

          أما الإجماع فمن وجهين :

          الأول : أن الصحابة أجمعت على قبول رواية ابن عباس وابن الزبير والنعمان بن بشير وغيرهم من أحداث الصحابة مطلقا ، من غير فرق بين ما تحملوه في حالة الصغر وبعد البلوغ .

          الثاني : إجماع السلف والخلف على مجالس الحديث وقبول روايتهم لما تحملوه في حالة الصبا بعد البلوغ .

          وأما المعقول ، فهو أن التحرز في أمر الشهادة أكثر منه في الرواية ، ولهذا اختلف في قبول شهادة العبد ، والأكثر على ردها .

          ولم يختلف في قبول رواية العبد ، واعتبر العدد في الشهادة [7] بالإجماع واختلف في اعتباره في الرواية .

          وقد أجمعنا على أن ما تحمله الصبي من الشهادة قبل البلوغ ، إذا شهد به بعد البلوغ قبلت شهادته ، فالرواية أولى بالقبول .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية