المسألة السابعة
مذهب أصحابنا والفقهاء وأكثر المعتزلة أن ، خلافا الإتيان بالمأمور به يدل على الإجزاء من للقاضي عبد الجبار المعتزلة ومتبعيه ، فإنه قال : لا يدل على الإجزاء .
وقبل الخوض في الحجاج ، لا بد من تحقيق معنى الإجزاء ليكون التوارد بالنفي والإثبات على محز واحد ، فنقول كون الفعل مجزئا ، قد يطلق بمعنى أنه امتثل به الأمر عندما إذا أتي به على الوجه الذي أمر به ، وقد يطلق بمعنى أنه مسقط للقضاء .
وإذا علم معنى كون الفعل مجزئا فقد اتفق الكل على أن الإتيان بالمأمور به على الوجه الذي أمر به ، يكون مجزئا بمعنى كونه امتثالا للأمر ، وذلك مما لا خلاف فيه .
وإنما خالف في كونه مجزئا بالاعتبار الآخر ، وهو أنه لا يسقط القضاء ، ولا يمتنع مع فعله من الأمر بالقضاء وهو مصرح به في عمده . القاضي عبد الجبار
وعلى هذا ، فكل من استدل من أصحابنا كإمام الحرمين وغيره من القائلين بالإجزاء على كون الفعل امتثالا وخروجا عن عهدة الأمر الأول ، فقد استدل على محل الوفاق وحاد عن موضع النزاع .
لكن قد أورد أبو الحسين البصري إشكالا على تفسير إجزاء الفعل بكونه مسقطا للقضاء ، وقال : لو أمر بالصلاة مع الطهارة فأتى بها من غير طهارة ، ومات عقيب الصلاة فإنه لا يكون فعله مجزئا ، وإن كان القضاء ساقطا [1] .
وربما زاد عليه بعض الأصحاب ، وقال : يمتنع تفسير الإجزاء بسقوط القضاء ؛ لأنا نعلل وجوب القضاء بكون الفعل الأول لم يكن مجزئا ، والعلة لا بد وأن تكون مغايرة للمعلول .
[ ص: 176 ] والوجه في إبطالهما [2] أن يقال : أما الأول فلأن الإجزاء ليس هو نفس سقوط القضاء مطلقا ليلزم ما قيل ، بل سقوط القضاء بالفعل في حق من يتصور في حقه وجوب القضاء ، وذلك غير متصور في حق الميت [3] .
وأما الثاني : فلأن علة صحة [4] وجوب القضاء إنما هو استدراك ما فات من مصلحة أصل العبادة ، أو صفتها ، أو مصلحة ما انعقد سبب وجوبه .
ولم يجب لمانع " لا ما قيل " [5] .
وإذا تنقح محل النزاع فنعود إلى المقصود ، فنقول : الفعل المأمور به لا يخلو : إما أن يكون قد أتى به المأمور على نحو ما أمر به من غير خلل ولا نقص في صفته وشرطه ، أو أتى به على نوع من الخلل .
والقسم الثاني : " أنه " لا نزاع في كونه غير مجزئ ولا مسقط للقضاء وإنما النزاع في القسم الأول ، وليس النزاع فيه أيضا من جهة أنه يمتنع ورود أمر مجدد بعد خروج الوقت بفعل مثل ما أمر به أولا ، وإنما النزاع في ، والحق نفيه ؛ لأن القضاء عبارة عن استدراك ما فات من مصلحة الأداء ، أو مصلحة صفته ، أو شرطه . ورود الأمر بالفعل متصفا بصفة القضاء
وإذا كان المأمور به قد فعل على جهة الكمال والتمام ، من غير نقص ولا خلل فوجوب القضاء استدراكا لما قد حصل تحصيل للحاصل ، وهو محال .
ومن ينفي القضاء إنما ينفيه بهذا التفسير ، وهذا مما يتعذر مع تحقيقه المنازعة فيه ، وإن كان لا ينكر إمكان ورود الأمر خارج الوقت ، بمثل ما فعل أولا غير أنه لا يسميه قضاء ، ومن سماه قضاء فحاصل النزاع معه آيل إلى اللفظ دون المعنى . [ ص: 177 ] شبه الخصوم : الأولى أن من صلى وهو يظن أنه متطهر - ولم يكن متطهرا - مأمور بالصلاة ، فإن كان مأمورا بها مع الطهارة حقيقة فهو عاص آثم بصلاته حيث لم يكن متطهرا ، وإن كان مأمورا بالصلاة على حسب حاله فقد أتى بما أمر به على الوجه الذي أمر به ، ومع ذلك يجب عليه القضاء إذ لم يكن متطهرا .
وكذلك المفسد للحج مأمور بمضيه في حجه الفاسد على حسب حاله ، ويجب عليه القضاء .
الثانية : أن الأمر لا يدل على غير طلب الفعل ، ولا دلالة له على امتناع التكليف بمثل فعل ما أمر به ، فلا يكون مقتضيا له .
الثالثة : أن الأمر مثل النهي في الطلب ، والنهي لا دلالة فيه على فساد المنهي عنه ، فالأمر لا يدل على كون المأمور به مجزئا .
وجواب الأولى : أنا لا نسلم وجوب القضاء فيما إذا صلى على ظن الطهارة ، ثم علم أنه لم يكن متطهرا على قول لنا ، وإن سلمنا وجوب القضاء لكنه ليس واجبا عما أمر به من الصلاة المظنون طهارتها ، ولا عما أمر به من المضي في الحج الفاسد لأنه قد أتى بما أمر به على النحو الذي أمر به ، وإنما القضاء استدراك لمصلحة ما أمر به أولا من الصلاة مع الطهارة ، والحج العري عن الفساد .
وعن الثانية : أنا لا نمنع من ورود أمر يدل على مثل ما فعل أولا ، وإنما المدعى أنه إذا أتى المأمور بفعل المأمور به على نحو ما أمر به امتنع وجوب القضاء بما ذكرناه من التفسير [6]
وعن الثالثة : أنه قياس في اللغة ، وقد أبطلناه وإن سلم صحته ، غير أنا لا نقول بأن الأمر يدل على الإجزاء بمعنى امتناع وجوب القضاء ، بل امتثال الأمر هو المانع من وجوب القضاء على ما تقرر [7] وفرق بين الأمرين .