[ ص: 195 ] الصنف الثالث في معنى العام والخاص
ويشتمل على مقدمة ومسائل .
أما المقدمة ففي بيان ، وصيغ العموم . معنى العام والخاص
أما العام فقد قال أبو الحسين البصري : العام هو اللفظ المستغرق لجميع ما يصلح له ، ووافقه على ذلك بعض أصحابنا وهو فاسد من وجهين :
الأول : أنه عرف العام بالمستغرق ، وهما لفظان مترادفان ، وليس المقصود هاهنا من التحديد شرح اسم العام حتى يكون الحد لفظيا ، بل شرح المسمى إما بالحد الحقيقي أو الرسمي
[1] ، وما ذكره خارج عن القسمين .
الثاني : أنه غير مانع لأنه يدخل فيه قول القائل : " ضرب زيد عمرا " فإنه لفظ مستغرق لجميع ما هو صالح له وليس بعام .
وقال : إنه اللفظ الواحد الدال من جهة واحدة على شيئين فصاعدا ، وهو غير جامع ، فإن لفظ المعدوم والمستحيل من الألفاظ العامة ، ولا دلالة له على شيئين فصاعدا ، إذ المعدوم ليس بشيء عنده وعند أهل الحق من أصحابنا ، والمستحيل بالإجماع وإن كان جامعا إلا أنه غير مانع . الغزالي
فإن قولنا : عشرة [ ص: 196 ] ومائة ليس من الألفاظ العامة ، وإن كان مع اتحاده دالا على شيئين فصاعدا ، وهي الآحاد الداخلة فيها ، والحق في ذلك أن يقال : العام هو اللفظ الواحد الدال على مسميين فصاعدا مطلقا معا .
فقولنا : ( اللفظ ) وإن كان كالجنس للعام والخاص ففيه فائدة تقييد العموم بالألفاظ ، لكونه من العوارض الحقيقية لها دون غيرها عند أصحابنا وجمهور الأئمة كما يأتي تعريفه [2] .
وقولنا : ( الواحد ) احتراز عن قولنا : ضرب زيد عمرا ، وقولنا : ( الدال على مسميين ) ليندرج فيه الموجود والمعدوم ، وفيه أيضا احتراز عن الألفاظ المطلقة كقولنا : رجل ودرهم وإن كانت صالحة لكل واحد من آحاد الرجال وآحاد الدراهم فلا يتناولها معا ، بل على سبيل البدل .
وقولنا : ( فصاعدا ) احتراز عن لفظ اثنين ، وقولنا : ( مطلقا ) احتراز عن قولنا : عشرة ومائة ونحوه من الأعداد المقيدة ، ولا حاجة بنا إلى قولنا من جهة واحدة احترازا عن الألفاظ المشتركة والمجازية .
أما عند من يعتقد كونها من الألفاظ العامة كما يأتي تحقيقه [3] فالحد لا يكون مع أخذ هذا القيد جامعا .
وأما عند من لا يقول بالتعميم فلا حاجة به إلى هذا القيد أيضا ، إذ اللفظ دال على مسمياته معا ، بل على طريق البدل ، وكذلك الحكم في اللفظ الدال على جهة الحقيقة والمجاز .
وفي الحد المذكور ما يدرأ النقص بذلك ، وهو قولنا : ( الدال على مسميين معا ) .
وأما الخاص فقد قيل فيه : هو كل ما ليس بعام ، وهو غير مانع لدخول الألفاظ المهملة فيه ، فإنها لعدم دلالتها لا توصف بعموم ولا بخصوص .
ثم فيه تعريف الخاص بسلب العام عنه ، ولا يخلو إما أن يكون بينهما واسطة أو لا ، فإن كان الأول فلا يلزم من سلب العام تعين الخاص .
[ ص: 197 ] وإن كان الثاني فليس تعريف أحدهما بسلب حقيقة الآخر عنه أولى من العكس ، وأيضا فإن اللفظ قد يكون خاصا كلفظ الإنسان ، فإنه خاص بالنسبة إلى لفظ الحيوان وما خرج عن كونه عاما بالنسبة إلى ما تحته .
وإن قيل : إنه ليس بعام من جهة ما هو خاص ، ففيه تعريف الخاص بالخاص ، وهو ممتنع .
والحق في ذلك أن يقال : الخاص قد يطلق باعتبارين ، الأول : وهو اللفظ الواحد الذي لا يصلح مدلوله لاشتراك كثيرين فيه كأسماء الأعلام من زيد وعمرو ونحوه ، الثاني : ما خصوصيته بالنسبة إلى ما هو أعم منه وحده أنه اللفظ الذي يقال على مدلوله وعلى غير مدلوله لفظ آخر من جهة واحدة كلفظ الإنسان فإنه خاص ، ويقال على مدلوله وعلى غيره كالفرس والحمار لفظ الحيوان من جهة واحدة .
وإذا تحقق معنى العام والخاص فاعلم أن اللفظ الدال ينقسم إلى عام لا أعم منه كالمذكور ، فإنه يتناول الموجود والمعدوم والمعلوم والمجهول ، وإلى خاص لا أخص منه كأسماء الأعلام ، وإلى ما هو عام بالنسبة ، وخاص بالنسبة كلفظ الحيوان ، فإنه عام بالنسبة إلى ما تحته من الإنسان والفرس ، وخاص بالنسبة إلى ما فوقه كلفظ الجوهر والجسم .
وأما عند القائلين بها فهي : إما أن تكون عامة فيمن يعقل جمعا وأفرادا مثل ( أي ) في الجزاء والاستفهام ، وأسماء الجموع المعرفة إذا لم يكن عهد ، سواء كان جمع سلامة أو جمع تكسير ( كالمسلمين والرجال ) ، والمنكرة ( كرجال ومسلمين ) والأسماء المؤكدة لها مثل ( كل وجميع ) ، واسم الجنس إذا دخله الألف واللام من غير عهد ( كالرجل والدرهم ) ، والنكرة المنفية كقولك ( لا رجل في الدار ) و ( ما في الدار من رجل ) ، والإضافة كقولك ( ضربت عبيدي ) و ( أنفقت دراهمي ) . صيغ العموم
وإما عامة فيمن يعقل دون غيره ( كمن ) في الجزاء والاستفهام تقول : من عندك ؟ ومن جاءني أكرمته .
[ ص: 198 ] وإما عامة فيما لا يعقل ؛ إما مطلقا من غير اختصاص بجنس مثل ( ما ) في الجزاء كقوله : على اليد ما أخذت حتى ترد ، والاستفهام تقول : ماذا صنعت ؟ ، وإما لا مطلقا ، بل مختصة ببعض أجناس ما لا يعقل مثل ( متى ) في الزمان جزاء واستفهاما ، و ( أين ) و ( حيث ) في المكان جزاء واستفهاما تقول : متى جاء القوم ؟ ومتى جئتني أكرمتك وأين كنت ؟ وأينما كنت أكرمتك .
وإذ أتينا على ما أردناه من بيان المقدمة فلنشرع الآن في المسائل وهي خمس وعشرون مسألة .