الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            ص - الثالث : فساد الوضع ، وهو كون الجامع ثبت اعتباره بنص أو إجماع في نقيض الحكم ، مثل : مسح فيسن فيه التكرار كالاستطابة .

            فيرد أن المسح معتبر في كراهة التكرار على الخف ، وجوابه ببيان المانع لتعرضه للتلف ، وهو نقص إلا أنه يثبت النقيض ، فإن ذكره بأصله ، فهو القلب ، فإن بين مناسبته للنقيض من غير أصل من الوجه المدعى ، فهو القدح في المناسبة .

            ومن غيره لا يقدح ; إذ قد يكون للوصف جهتان ، ككون المحل مشتهى يناسب الإباحة لإراحة الخاطر ، والتحريم لقطع أطماع النفس .

            [ ص: 186 ]

            التالي السابق


            ش - الاعتراض الثالث : فساد الوضع ، وهو أن يكون الجامع قد ثبت اعتباره بنص أو إجماع في نقيض الحكم ، مثل قول الشافعي في كون التكرار سنة في مسح الرأس مسح ، فيسن فيه التكرار قياسا على الاستطابة وهي الاستنجاء ، فإنه مسح ، وقد نص سن التكرار فيه بالاتفاق .

            فيرد المعترض هذا القياس بأنه فاسد الوضع ; إذ المسح الذي هو الجامع اعتبر بالإجماع في كراهية التكرار في مسح الخف ، وكراهية التكرار نقيض الحكم الذي هو استحباب التكرار .

            وجواب المستدل عن هذا الرد ببيان المانع من التكرار في مسح الخف ، فإن الخف لتعرضه للتلف كره فيه تكرار المسح المفضي إلى تلفه ، فكون الخف متعرضا للتلف مانع من استحباب تكرار المسح فيه .

            وسؤال فساد الوضع نقض الحقيقة ; لأنه إثبات للوصف الجامع الذي هو المسح بدون الحكم الذي هو استحباب تكرار المسح ، إلا أن الوصف الجامع هاهنا أثبت نقيض الحكم ، فيكون نقضا خاصا .

            [ ص: 187 ] فإن ذكر المعترض نقيض الحكم مع أصله ، بأن يقول : لا يسن تكرار مسح الرأس قياسا على تكرار مسح الخف بجامع كون كل منهما مسحا ، فهو القلب ; لتوافق قياس المستدل وقياس المعترض في الجامع والفرع ، وتخالفهما في الحكم ، إلا أنهما لم يتوافقا في الأصل المقيس عليه ، فإن الأصل في قياس المستدل الاستطابة ، وفي قياس المعترض الخف . وإن بين المعترض مناسبة الوصف الجامع لنقيض الحكم ، ولم يذكر أصله ، فلا يخلو من أن يكون بيان المناسبة من الوجه الذي ادعى المستدل مناسبته للحكم أو من غير هذا الوجه .

            فإن بينها من هذا الوجه ، فهو القدح في مناسبة الوصف للحكم ; لأن الوصف الواحد لا يناسب الحكم ونقيضه من جهة واحدة .

            وإن بين المناسبة من غير هذا الوجه ، لا يكون قدحا في مناسبة الوصف للحكم ; لجواز أن يكون لوصف واحد جهتان يناسب بإحداهما للحكم بالآخر لنقيضه ، ككون المحل المشتهى ، فإنه يناسب الإباحة لإراحة الخاطر ، ويناسب التحريم لقطع أطماع النفس .




            الخدمات العلمية