[ ص: 3 ]   ( يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين  إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون    ) . 
قوله عز وجل : ( ياأيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين  إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون    ) . 
اعلم أنه تعالى لما بين التوحيد ودلائله ، وما للموحدين من الثواب وأتبعه بذكر الشرك ومن يتخذ من دون الله أندادا ، ويتبع رؤساء الكفر ، أتبع ذلك بذكر إنعامه على الفريقين وإحسانه إليهم وأن معصية من عصاه وكفر من كفر به لم تؤثر في قطع إحسانه ونعمه عنهم ، فقال : ( ياأيها الناس كلوا مما في الأرض    ) وفيه مسائل : 
المسألة الأولى : قال  ابن عباس    : نزلت الآية في الذين حرموا على أنفسهم السوائب والوصائل والبحائر ، وهم قوم من ثقيف  وبني عامر بن صعصعة  وخزاعة  وبني مدلج    . 
المسألة الثانية : الحلال المباح الذي انحلت عقدة الحظر عنه ، وأصله من الحل الذي هو نقيض العقد ، ومنه : حل بالمكان إذا نزل به ؛ لأنه حل شد الارتحال للنزول ، وحل الدين إذا وجب لانحلال العقدة بانقضاء المدة ، وحل من إحرامه ؛ لأنه حل عقدة الإحرام ، وحلت عليه العقوبة أي وجبت ؛ لانحلال العقدة بالمانعة من العذاب ، والحلة الإزار والرداء ؛ لأنه يحل عن الطي للبس ، ومن هذا تحلة اليمين ؛ لأنه عقدة اليمين تنحل به ، واعلم أن الحرام قد يكون حراما لخبثه كالميتة والدم والخمر ، وقد يكون حراما لا لخبثه  ، كملك الغير إذا لم يأذن في أكله ، فالحلال هو الخالي عن القيدين . 
المسألة الثالثة : قوله ( حلالا طيبا    ) إن شئت نصبته على الحال مما في الأرض وإن شئت نصبته على أنه مفعول . 
المسألة الرابعة : الطيب في اللغة  قد يكون بمعنى الطاهر والحلال يوصف بأنه طيب ؛ لأن الحرام يوصف بأنه خبيث قال تعالى : ( قل لا يستوي الخبيث والطيب    ) [ المائدة : 100 ] والطيب في الأصل هو ما يستلذ به ويستطاب ، ووصف به الطاهر والحلال على جهة التشبيه ؛ لأن النجس تكرهه النفس فلا تستلذه   [ ص: 4 ] والحرام غير مستلذ ؛ لأن الشرع يزجر عنه ، وفي المراد بالطيب في الآية وجهان : 
الأول : أنه المستلذ ؛ لأنا لو حملناه على الحلال لزم التكرار فعلى هذا إنما يكون طيبا إذا كان من جنس ما يشتهى ؛ لأنه إن تناول ما لا شهوة له فيه عاد حراما وإن كان يبعد أن يقع ذلك من العاقل إلا عند شبهة . 
والثاني : المراد منه المباح ، وقوله يلزم التكرار قلنا : لا نسلم ، فإن قوله : ( حلالا    ) المراد منه ما يكون جنسه حلالا ، وقوله ( طيبا    ) المراد منه لا يكون متعلقا به حق الغير ، فإن أكل الحرام وإن استطابة الآكل  فمن حيث يفضي إلى العقاب يصير مضرة ولا يكون مستطابا ، كما قال تعالى : ( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا    ) [ النساء : 10 ] . 
				
						
						
