الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله تعالى : ( فأصلح بينهم ) فيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : هذا المصلح من هو ؟ الظاهر أنه هو الوصي الذي لا بد منه في الوصية ، وقد يدخل تحته الشاهد ، وقد يكون المراد منه من يتولى ذلك بعد موته من وال أو ولي أو وصي ، أو من يأمر بالمعروف . فكل هؤلاء يدخلون تحت قوله تعالى : ( فمن خاف من موص ) إذا ظهرت لهم أمارات الجنف والإثم في الوصية ، أو علموا ذلك ، فلا وجه للتخصيص في هذا الباب ، بل الوصي والشاهد أولى بالدخول تحت هذا [ ص: 58 ] التكليف وذلك ؛ لأن بهم تثبت الوصية ، فكان تعلقهم بها أشد .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : لقائل أن يقول : الضمير في قوله : ( فأصلح بينهم ) لا بد وأن يكون عائدا إلى مذكور سابق فما ذلك المذكور السابق ؟

                                                                                                                                                                                                                                            وجوابه : أن لا شبهة أن المراد بين أهل الوصايا ؛ لأن قوله : ( من موص ) دل على من له الوصية فصار كأنهم ذكروا فصلح أن يقول تعالى : ( فأصلح بينهم ) كأنه قال : فأصلح بين أهل الوصية ، وقال القائلون : المراد فأصلح بين أهل الوصية والميراث ، وذلك هو أن يزيد الموصي في الوصية على قدر الثلث ، فالمصلح يصلح بين أهل الوصايا والورثة في ذلك ، وهذا القول ضعيف من وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها : أن لفظ الموصي إنما يدل على أهل الوصية لا على الورثة .

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيها : أن الجنف والإثم لا يدخل في أن يوصي بأكثر من الثلث ؛ لأن ذلك لما لم يجز إلا بالرضا صار ذكره كلا ذكر ، ولا يحتاج في إبطاله إلى إصلاح ؛ لأنه ظاهر البطلان .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية