الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله تعالى : ( فلا تقربوها ) ففيه إشكالان :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أن قوله تعالى : ( تلك حدود الله ) إشارة إلى كل ما تقدم ، والأمور المتقدمة بعضها إباحة وبعضها حظر ، فكيف قال في الكل ( فلا تقربوها ) .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : أنه تعالى قال في آية أخرى : ( تلك حدود الله فلا تعتدوها ) [ البقرة : 229 ] ، وقال في آية المواريث : [ ص: 99 ] ( ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده ) [ النساء : 14 ] وقال ههنا : ( فلا تقربوها ) فكيف الجمع بينهما ؟

                                                                                                                                                                                                                                            والجواب عن السؤالين من وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : وهو الأحسن والأقوى أن من كان في طاعة الله والعمل بشرائعه فهو متصرف في حيز الحق ، فنهي أن يتعداه لأن من تعداه وقع في حيز الضلال ، ثم بولغ في ذلك فنهي أن يقرب الحد الذي هو الحاجز بين حيز الحق والباطل ، لئلا يداني الباطل وأن يكون بعيدا عن الطرف فضلا أن يتخطاه ، كما قال عليه الصلاة والسلام : " إن لكل ملك حمى وحمى الله محارمه فمن رتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه " .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : ما ذكره أبو مسلم الأصفهاني : لا تقربوها أي لا تتعرضوا لها بالتغيير كقوله : ( ولا تقربوا مال اليتيم ) [ الأنعام : 152 ] .

                                                                                                                                                                                                                                            الثالث : أن الأحكام المذكورة فيما قبل وإن كانت كثيرة إلا أن أقربها إلى هذه الآية إنما هو قوله : ( ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد ) ، وقبل هذه الآية قوله : ( ثم أتموا الصيام إلى الليل ) وذلك يوجب حرمة الأكل والشرب في النهار ، وقبل هذه الآية قوله : ( وابتغوا ما كتب الله لكم ) وهو يقتضي تحريم مواقعة غير الزوجة والمملوكة وتحريم مواقعتهما في غير المأتى وتحريم مواقعتهما في الحيض والنفاس والعدة والردة ، وليس فيه إلا إباحة الشرب والأكل والوقاع في الليل ، فلما كانت الأحكام المتقدمة أكثرها تحريمات ، لا جرم غلب جانب التحريم فقال : ( تلك حدود الله فلا تقربوها ) أي تلك الأشياء التي منعتم عنها إنما منعتم عنها بمنع الله ونهيه عنها فلا تقربوها .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية