وأما قوله تعالى : ( فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان     ) ففيه أبحاث : 
البحث الأول : قوله : ( فاتباع بالمعروف    ) رفع ؛ لأنه خبر مبتدأ محذوف وتقديره : فحكمه اتباع ، أو هو مبتدأ خبره محذوف تقديره : فعليه اتباع بالمعروف . 
البحث الثاني : قيل : على العافي الاتباع بالمعروف ، وعلى المعفو عنه أداء بإحسان ، عن  ابن عباس  والحسن  وقتادة   ومجاهد  ، وقيل : هما على المعفو عنه فإنه يتبع عفو العافي بمعروف ، ويؤدي ذلك المعروف إليه بإحسان . 
البحث الثالث : الاتباع بالمعروف أن لا يشدد بالمطالبة ، بل يجري فيها على العادة المألوفة ، فإن كان معسرا فالنظرة ، وإن كان واجدا لعين المال فإنه لا يطالبه بالزيادة على قدر الحق ، وإن كان واجدا لغير المال الواجب ، فالإمهال إلى أن يبتاع ويستبدل ، وأن لا يمنعه بسبب الاتباع عن تقديم الأهم من الواجبات ، فأما   [ ص: 48 ] الأداء بإحسان فالمراد به أن لا يدعي الإعدام في حال الإمكان ولا يؤخره مع الوجود ، ولا يقدم ما ليس بواجب عليه ، وأن يؤدي ذلك المال على بشر وطلاقة وقول جميل . 
أما قوله تعالى : ( ذلك تخفيف من ربكم ورحمة    ) ففيه وجوه . 
أحدها : أن المراد بقوله : ( ذلك    ) أي الحكم بشرع القصاص والدية ، تخفيف في حقكم ؛ لأن العفو وأخذ الدية محرمان على أهل التوراة والقصاص مكتوب عليهم البتة ، والقصاص والدية محرمان على أهل الإنجيل والعفو مكتوب عليهم ، وهذه الأمة مخيرة بين القصاص والدية والعفو توسعة عليهم وتيسيرا ، وهذا قول  ابن عباس    . 
وثانيها : أن قوله : ( ذلك    ) راجع إلى قوله : ( فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان    ) . 
أما قوله : ( فمن اعتدى بعد ذلك    ) التخفيف يعني جاوز الحد إلى ما هو أكثر منه ، قال  ابن عباس  والحسن    : المراد أن لا يقتل بعد العفو والدية ، وذلك ؛ لأن أهل الجاهلية إذا عفوا وأخذوا الدية ، ثم ظفروا بعد ذلك بالقاتل قتلوه ، فنهى الله عن ذلك ، وقيل المراد : أن يقتل غير قاتله ، أو أكثر من قاتله ، أو طلب أكثر مما وجب له من الدية ، أو جاوز الحد بعدما بين له كيفية القصاص . ويجب أن يحمل على الجميع لعموم اللفظ ( فله عذاب أليم    ) وفيه قولان : 
أحدهما : وهو المشهور أنه نوع من العذاب شديد الألم في الآخرة . 
والثاني : روي عن قتادة  أن العذاب الأليم هو أن يقتل لا محالة ولا يعفى عنه ولا يقبل الدية منه لقوله عليه السلام : " لا أعافي أحدا قتل بعد أن أخذ الدية   " وهو المروي عن الحسن   وسعيد بن جبير    . وهذا القول ضعيف لوجوه : 
أحدها : أن المفهوم من العذاب الأليم عند الإطلاق هو عذاب الآخرة . 
وثانيها : أنا بينا أن القود تارة يكون عذابا وتارة يكون امتحانا ، كما في حق التائب ، فلا يصح إطلاق اسم العذاب عليه إلا في وجه دون وجه . 
وثالثها : أن القاتل لمن عفي عنه لا يجوز أن يختص بأن لا يمكن ولي الدم من العفو عنه ؛ لأن ذلك حق ولي الدم فله إسقاطه قياسا على تمكنه من إسقاط سائر الحقوق والله أعلم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					