أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=180حقا على المتقين ) فزيادة في توكيد وجوبه ، فقوله : ( حقا ) مصدر مؤكد ، أي حق ذلك حقا ، فإن قيل : ظاهر هذا الكلام يقتضي تخصيص هذا التكليف بالمتقين دون غيرهم .
فالجواب من وجهين :
الأول : أن المراد بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=180حقا على المتقين ) أنه لازم لمن آثر التقوى ، وتحراه وجعله طريقة له ومذهبا فيدخل الكل فيه .
الثاني : أن هذه الآية تقتضي وجوب هذا المعنى على المتقين ، والإجماع دل على أن
nindex.php?page=treesubj&link=20734_27678الواجبات والتكاليف عامة في حق المتقين ، وغيرهم ، فبهذا الطريق يدخل الكل تحت هذا التكليف ؛ فهذا جملة ما يتعلق بتفسير هذه الآية .
واعلم أن الناس اختلفوا في هذه الوصية ، منهم من قال : كانت واجبة ، ومنهم من قال : كانت ندبا ، واحتج الأولون بقوله : ( كتب ) وبقوله : ( عليكم ) وكلا اللفظين ينبئ عن الوجوب ، ثم إنه تعالى أكد ذلك الإيجاب بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=180حقا على المتقين ) وهؤلاء اختلفوا ؛ منهم من قال : هذه الآية صارت منسوخة ، ومنهم من قال : إنها ما صارت منسوخة ، وهذا اختيار
أبي مسلم الأصفهاني ، وتقرير قوله من وجوه :
أحدها : أن هذه الآية ما هي مخالفة لآية المواريث ومعناها : كتب عليكم ما أوصى به الله تعالى من توريث الوالدين والأقربين من قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=11يوصيكم الله في أولادكم ) [ النساء : 11 ] أو كتب على المحتضر أن يوصي للوالدين والأقربين بتوفير ما أوصى به الله لهم عليهم وأن لا ينقص من أنصبائهم .
وثانيها : أنه لا منافاة بين
nindex.php?page=treesubj&link=33606_27135ثبوت الميراث للأقرباء مع ثبوت الوصية بالميراث عطية من الله تعالى ، والوصية عطية ممن حضره الموت ، فالوارث جمع له بين الوصية والميراث بحكم الآيتين .
وثالثها : لو قدرنا حصول المنافاة لكان يمكن جعل آية الميراث مخصصة لهذه الآية وذلك ؛ لأن هذه الآية توجب الوصية للأقربين ، ثم آية الميراث تخرج القريب الوارث ويبقى القريب الذي لا يكون وارثا داخلا تحت هذه الآية ، وذلك لأن من الوالدين من يرث ، ومنهم من لا يرث ، وذلك بسبب اختلاف الدين والرق والقتل ، ومن الأقارب الذين لا يسقطون في فريضة من لا يرث بهذه الأسباب الحاجبة ، ومنهم من يسقط في حال ويثبت في حال ، إذا كان في الواقعة من هو أولى بالميراث منهم ، ومنهم من يسقط في كل حال إذا كانوا ذوي رحم ، فكل من كان من هؤلاء وارثا لم يجز الوصية له ، ومن لم يكن وارثا جازت الوصية له لأجل صلة الرحم ، فقد أكد الله تعالى ذلك بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=1واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام ) [ النساء : 1 ] وبقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=90إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى ) [ النحل : 90 ] فهذا تقرير مذهب
أبي مسلم في هذا الباب .
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=180حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ) فَزِيَادَةٌ فِي تَوْكِيدِ وُجُوبِهِ ، فَقَوْلُهُ : ( حَقًّا ) مَصْدَرٌ مُؤَكَّدٌ ، أَيْ حَقَّ ذَلِكَ حَقًّا ، فَإِنْ قِيلَ : ظَاهِرُ هَذَا الْكَلَامِ يَقْتَضِي تَخْصِيصَ هَذَا التَّكْلِيفِ بِالْمُتَّقِينَ دُونَ غَيْرِهِمْ .
فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=180حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ) أَنَّهُ لَازِمٌ لِمَنْ آثَرَ التَّقْوَى ، وَتَحَرَّاهُ وَجَعَلَهُ طَرِيقَةً لَهُ وَمَذْهَبًا فَيَدْخُلُ الْكُلُّ فِيهِ .
الثَّانِي : أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تَقْتَضِي وُجُوبَ هَذَا الْمَعْنَى عَلَى الْمُتَّقِينَ ، وَالْإِجْمَاعُ دَلَّ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=20734_27678الْوَاجِبَاتِ وَالتَّكَالِيفَ عَامَّةٌ فِي حَقِّ الْمُتَّقِينَ ، وَغَيْرِهِمْ ، فَبِهَذَا الطَّرِيقِ يَدْخُلُ الْكُلُّ تَحْتَ هَذَا التَّكْلِيفِ ؛ فَهَذَا جُمْلَةُ مَا يَتَعَلَّقُ بِتَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْوَصِيَّةِ ، مِنْهُمْ مَنْ قَالَ : كَانَتْ وَاجِبَةً ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : كَانَتْ نَدْبًا ، وَاحْتَجَّ الْأَوَّلُونَ بِقَوْلِهِ : ( كُتِبَ ) وَبِقَوْلِهِ : ( عَلَيْكُمْ ) وَكِلَا اللَّفْظَيْنِ يُنْبِئُ عَنِ الْوُجُوبِ ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى أَكَّدَ ذَلِكَ الْإِيجَابَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=180حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ) وَهَؤُلَاءِ اخْتَلَفُوا ؛ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ : هَذِهِ الْآيَةُ صَارَتْ مَنْسُوخَةً ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : إِنَّهَا مَا صَارَتْ مَنْسُوخَةً ، وَهَذَا اخْتِيَارُ
أَبِي مُسْلِمٍ الْأَصْفَهَانِيِّ ، وَتَقْرِيرُ قَوْلِهِ مِنْ وُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَا هِيَ مُخَالِفَةً لِآيَةِ الْمَوَارِيثِ وَمَعْنَاهَا : كُتِبَ عَلَيْكُمْ مَا أَوْصَى بِهِ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ تَوْرِيثِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=11يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ) [ النِّسَاءِ : 11 ] أَوْ كُتِبَ عَلَى الْمُحْتَضَرِ أَنْ يُوصِيَ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِتَوْفِيرِ مَا أَوْصَى بِهِ اللَّهُ لَهُمْ عَلَيْهِمْ وَأَنْ لَا يَنْقُصَ مِنْ أَنْصِبَائِهِمْ .
وَثَانِيهَا : أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ
nindex.php?page=treesubj&link=33606_27135ثُبُوتِ الْمِيرَاثِ لِلْأَقْرِبَاءِ مَعَ ثُبُوتِ الْوَصِيَّةِ بِالْمِيرَاثِ عَطِيَّةً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَالْوَصِيَّةُ عَطِيَّةٌ مِمَّنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ ، فَالْوَارِثُ جُمِعَ لَهُ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ وَالْمِيرَاثِ بِحُكْمِ الْآيَتَيْنِ .
وَثَالِثُهَا : لَوْ قَدَّرْنَا حُصُولَ الْمُنَافَاةِ لَكَانَ يُمْكِنُ جَعْلُ آيَةِ الْمِيرَاثِ مُخَصِّصَةً لِهَذِهِ الْآيَةِ وَذَلِكَ ؛ لَأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تُوجِبُ الْوَصِيَّةَ لِلْأَقْرَبِينَ ، ثُمَّ آيَةُ الْمِيرَاثِ تُخْرِجُ الْقَرِيبَ الْوَارِثَ وَيَبْقَى الْقَرِيبُ الَّذِي لَا يَكُونُ وَارِثًا دَاخِلًا تَحْتَ هَذِهِ الْآيَةِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مِنَ الْوَالِدَيْنِ مَنْ يَرِثُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَرِثُ ، وَذَلِكَ بِسَبَبِ اخْتِلَافِ الدِّينِ وَالرِّقِّ وَالْقَتْلِ ، وَمِنَ الْأَقَارِبِ الَّذِينَ لَا يَسْقُطُونَ فِي فَرِيضَةِ مَنْ لَا يَرِثُ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ الْحَاجِبَةِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْقُطُ فِي حَالٍ وَيَثْبُتُ فِي حَالٍ ، إِذَا كَانَ فِي الْوَاقِعَةِ مَنْ هُوَ أَوْلَى بِالْمِيرَاثِ مِنْهُمْ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْقُطُ فِي كُلِّ حَالٍ إِذَا كَانُوا ذَوِي رَحِمٍ ، فَكُلُّ مَنْ كَانَ مِنْ هَؤُلَاءِ وَارِثًا لَمْ يَجُزِ الْوَصِيَّةُ لَهُ ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثًا جَازَتِ الْوَصِيَّةُ لَهُ لِأَجْلِ صِلَةِ الرَّحِمِ ، فَقَدْ أَكَّدَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=1وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ) [ النِّسَاءِ : 1 ] وَبِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=90إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى ) [ النَّحْلِ : 90 ] فَهَذَا تَقْرِيرُ مَذْهَبِ
أَبِي مُسْلِمٍ فِي هَذَا الْبَابِ .