أما قوله تعالى : ( لعلكم تتقون ) فاعلم أن تفسير " لعل " في حق الله تعالى قد تقدم ، وأما أن هذا الكلام كيف يليق بهذا الموضع ففيه وجوه :
أحدها : أنه سبحانه بين بهذا الكلام أن لما فيه من انكسار الشهوة وانقماع الهوى ، فإنه يردع عن الأشر والبطر والفواحش ، ويهون لذات الدنيا ورياستها ، وذلك ؛ لأن الصوم يورث التقوى ، وإنما يسعى الناس لهذين ، كما قيل في المثل السائر : المرء يسعى لغاريه بطنه وفرجه ؛ فمن أكثر الصوم هان عليه أمر هذين وخفت عليه مؤنتهما ، فكان ذلك رادعا له عن ارتكاب المحارم والفواحش ، ومهونا عليه أمر الرياسة في الدنيا ، وذلك جامع لأسباب التقوى فيكون معنى الآية فرضت عليكم الصيام لتكونوا به من المتقين الذين أثنيت عليهم في كتابي ، وأعلمت أن هذا الكتاب هدى لهم ولما اختص الصوم بهذه الخاصية حسن منه تعالى أن يقول عند إيجابها : ( الصوم يكسر شهوة البطن والفرج لعلكم تتقون ) منها بذلك على وجه [ ص: 61 ] وجوبه ؛ لأن ما يمنع النفس عن المعاصي لا بد وأن يكون واجبا .
وثانيها : المعنى ينبغي لكم بالصوم أن يقوى وجاؤكم في التقوى وهذا معنى " لعل " .
وثالثها : المعنى : لعلكم تتقون الله بصومكم وترككم للشهوات ، فإن الشيء كلما كانت الرغبة فيه أكثر كان الاتقاء عنه أشق ، والرغبة في المطعوم والمنكوح أشد من الرغبة في سائر الأشياء ، فإذا سهل عليكم اتقاء الله بترك المطعوم والمنكوح ، كان اتقاء الله بترك سائر الأشياء أسهل وأخف .
ورابعها : المراد ( كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) إهمالها وترك المحافظة عليها بسبب عظم درجاتها وأصالتها .
وخامسها : لعلكم تنتظمون بسبب هذه العبادة في زمرة المتقين ؛ لأن الصوم شعارهم والله أعلم .