وأما قوله تعالى : ( من الفجر ) فقيل للتبعيض لأن المعتبر بعض الفجر لا كله ، وقيل للتبيين كأنه قيل : الخيط الأبيض الذي هو الفجر .
المسألة السادسة : أن الله تعالى لما أحل الجماع والأكل والشرب إلى غاية تبين الصبح ، وجب أن يعرف أن تبين الصبح ما هو ؟ فنقول : ، أما القطعي فبأن يرى طلوع الصبح أو يتيقن أنه مضى من الزمان ما يجب طلوع الصبح عنده ، وأما الظني فنقول : إما أن يحصل ظن أن الصبح طلع فيحرم الأكل والشرب والوقاع ، فإن حصل ظن أنه ما طلع كان الأكل والشرب والوقاع مباحا ، فإن الطريق إلى معرفة تبين الصبح إما أن يكون قطعيا أو ظنيا عند ذلك الأكل فقد اختلفوا ، وكذلك إن أكل ثم تبين بعد ذلك أن ذلك الظن خطأ وأن الصبح كان قد طلع ، فقال ظن أن الشمس قد غربت فأفطر ثم تبين أنها ما كانت غاربة الحسن : لا قضاء في الصورتين قياسا على ما لو أكل ناسيا ، وقال أبو حنيفة ومالك في رواية والشافعي المزني عنه : يجب القضاء لأنه أمر بالصوم من الصبح إلى الغروب ولم يأت به ، وأما الناسي فعند مالك يجب عليه القضاء ، وأما الباقون الذين سلموا أنه لا قضاء قالوا : مقتضى الدليل وجوب القضاء عليه أيضا ، إلا أنا أسقطناه عنه للنص ، وهو ما روى - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أبو هريرة . أن رجلا قال : أكلت وشربت وأنا صائم فقال عليه الصلاة والسلام : أطعمك الله وسقاك فأنت ضيف الله فتمم صومك
والقول الثالث : أنه إذا أخطأ في طلوع الصبح لا يجب القضاء ، وإذا أخطأ في غروب الشمس يجب القضاء ، والفرق أن الأصل في كل ثابت بقاؤه على ما كان ، والثابت في الليل حل الأكل ، وفي النهار حرمته ، أما إذا لم يغلب على ظنه لا بقاء الليل ولا طلوع الصبح ، بل بقي متوقفا في الأمرين ، فههنا يكره له الأكل والشرب والجماع ، فإن فعل جاز ، لأن الأصل بقاء الليل والله أعلم .