أما قوله تعالى : ( ثم أتموا الصيام إلى الليل    ) ففيه مسائل : 
المسألة الأولى : أن كلمة ( إلى    ) لانتهاء الغاية ، فظاهر الآية أن الصوم ينتهي عند دخول الليل  ، وذلك لأن غاية الشيء مقطعه ومنتهاه ، وإنما يكون مقطعا ومنتهى إذا لم يبق بعد ذلك ، وقد تجيء هذه الكلمة لا للانتهاء كما في قوله تعالى : ( إلى المرافق    ) [ المائدة : 6 ] إلا أن ذلك على خلاف الدليل ، والفرق بين الصورتين أن الليل ليس من جنس النهار ، فيكون الليل خارجا عن حكم النهار ، والمرافق من جنس اليد فيكون داخلا فيه ، وقال أحمد بن يحيى    : سبيل إلى الدخول والخروج ، وكلا الأمرين جائز ، تقول : أكلت السمكة إلى رأسها ، وجائز أن يكون الرأس داخلا في الأكل وخارجا منه ، إلا أنه لا يشك ذو عقل أن الليل   [ ص: 96 ] خارج عن الصوم ، إذ لو كان داخلا فيه لعظمت المشقة ودخلت المرافق في الغسل أخذا بالأوثق ، ثم سواء قلنا إنه مجمل أو غير مجمل ، فقد ورد الحديث الصحيح فيه ، وهو ما روى عمر    - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " إذا أقبل الليل من ههنا ، وأدبر النهار من ههنا ، وقد غربت الشمس فقد أفطر الصائم   " ، فهذا الحديث يدل على أن الصوم ينتهي في هذا الوقت ، فأما أنه يجب على المكلف أن يتناول عند هذا الوقت شيئا ، فالدليل عليه ما روى  الشافعي    - رضي الله تعالى عنه - بإسناده عن ابن عمر  أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الوصال  ، قيل : يا رسول الله تواصل ، أي كيف تنهانا عن أمر أنت تفعله ؟ فقال : إني لست مثلكم إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني ، وقيل فيه معان : 
أحدها : أنه كان يطعم ويسقى من طعام الجنة . 
والثاني : أنه - عليه الصلاة والسلام - قال : إني على ثقة من أني لو احتجت إلى الطعام أطعمني مواصلا . وحكى محمد بن جرير الطبري  عن ابن الزبير  ، أنه كان يواصل سبعة أيام ، فلما كبر جعلها خمسا ، فلما كبر جدا جعلها ثلاثا ، فظاهر كلام  الشافعي    - رضي الله عنه - يدل على أن هذا النهي نهي تحريم ، وقيل : هو نهي تنزيه ، لأنه ترك للمباح ، وعلى هذا التأويل صح فعل ابن الزبير    . إذا عرفت هذا ، فنقول : إذا تناول شيئا قليلا ولو قطرة من الماء ، فعلى ذلك هو بالخيار في الاستيفاء إلا أن يخاف المرء من التقصير في صوم المستأنف ، أو في سائر العبادات ، فيلزم حينئذ أن يتناول من الطعام قدرا يزول به هذا الخوف . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					