المسألة الثانية : اختلفوا في المراد بحاضري المسجد الحرام ، فقال مالك : هم أهل مكة وأهل ذي [ ص: 136 ] طوى قال : فلو أن منى أحرموا بالعمرة من حيث يجوز لهم ، ثم أقاموا بمكة حتى حجوا كانوا متمتعين ، وسئل أهل مالك رحمه الله عن الحرم أيجب عليهم ما يجب على المتمتع ؟ قال : نعم ، وليس هم مثل أهل أهل مكة ، فقيل له : فأهل منى ؟ فقال : لا أرى ذلك إلا لأهل مكة خاصة ، وقال طاوس : حاضرو المسجد الحرام هم أهل الحرم ، وقال رضي الله عنه : هم الذين يكونون على أقل من مسافة القصر من الشافعي مكة ، فإن كانوا على مسافة القصر ، فليسوا من الحاضرين ، وقال رضي الله عنه : حاضرو أبو حنيفة المسجد الحرام أهل المواقيت ، وهي ذو الحليفة والجحفة وقرن ويلملم وذات العرق ، فكل من كان من أهل موضع من هذه المواضع ، أو من أهل ما وراءها إلى مكة فهو من حاضري المسجد الحرام ، هذا هو تفصيل مذاهب الناس .
ولفظ الآية موافق لمذهب مالك رحمه الله ؛ لأن أهل مكة هم الذين يشاهدون المسجد الحرام ويحضرونه ، فلفظ الآية لا يدل إلا عليهم ، إلا أن قال : كثيرا ما ذكر الله الشافعي المسجد الحرام ، والمراد منه الحرم ، قال تعالى : ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام ) [الإسراء : 1] ورسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أسري به من الحرم لا من المسجد الحرام ، وقال : ( ثم محلها إلى البيت العتيق ) [الحج : 33] والمراد الحرم ؛ لأن الدماء لا تراق في البيت والمسجد .
إذا ثبت هذا فنقول : المراد من المسجد الحرام ههنا ما ذكرناه ، ويدل عليه وجهان :
الأول : الحاضر ضد المسافر ، وكل من لم يكن مسافرا كان حاضرا ، ولما كان حكم السفر إنما ثبت في مسافة القصر ، فكل من كان دون مسافة القصر لم يكن مسافرا وكان حاضرا .
الثاني : أن العرب تسمي أهل القرى حاضرة وحاضرين ، وأهل البر : بادية وبادين ، ومشهور كلام الناس : أهل البدو والحضر يراد بهما أهل الوبر والمدر .
المسألة الثالثة : قال الفراء : لمن ) بمعنى على ، أي ذلك الفرض الذي هو الدم ، أو الصوم لازم على من لم يكن من أهل اللام في قوله : ( مكة ، كقوله عليه الصلاة والسلام : " " أي عليهم . واشترطي لهم الولاء
المسألة الرابعة : الله تعالى ذكر حضور الأهل ، والمراد حضور المحرم لا حضور الأهل ؛ لأن الغالب على الرجل أنه يسكن حيث أهله ساكنون .
المسألة الخامسة : المسجد الحرام إنما وصف بهذا الوصف لأن أصل الحرام والمحروم الممنوع عن المكاسب ، والشيء المنهي عنه حرام ؛ لأنه منع من إتيانه ، والمسجد الحرام الممنوع من أن يفعل فيه ما منع عن فعله ، قال الفراء : ويقال حرام وحرم مثل زمان وزمن .
أما قوله تعالى : ( واتقوا الله ) قال : يريد فيما فرض عليكم : ( ابن عباس واعلموا أن الله شديد العقاب ) لمن تهاون بحدوده . قال أبو مسلم : العقاب والمعاقبة سيان ، وهو مجازاة المسيء على إساءته ، وهو مشتق من العاقبة ؛ كأنه يراد عاقبة فعل المسيء ، كقول القائل : لتذوقن عاقبة فعلك .