الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : اعلم أن في هذه الآية حذفا ، والتقدير : فمن ألزم نفسه فيهن الحج ، والمراد بهذا الفرض ما به يصير المحرم محرما ، إذ لا خلاف أنه لا يصير حاجا إلا بفعل يفعله ، فيخرج عن أن يكون حلالا ، ويحرم عليه الصيد واللبس والطيب والنساء والتغطية للرأس إلى غير ذلك ، ولأجل تحريم هذه الأمور عليه سمي محرما ؛ لأنه فعل ما حرم به هذه الأشياء على نفسه ، ولهذا السبب أيضا سميت البقعة حرما ؛ لأنه يحرم ما يكون فيها مما لولاه كان لا يحرم ، فقوله تعالى : ( فمن فرض فيهن الحج ) يدل على أنه لا بد للمحرم من فعل يفعله لأجله يصير حاجا ومحرما ، ثم اختلف الفقهاء في أن ذلك الفعل ما هو ؟ قال الشافعي رضي الله عنه : إنه ينعقد الإحرام بمجرد النية من غير حاجة إلى التلبية . وقال أبو حنيفة رضي الله عنه : لا يصح الشروع في الإحرام بمجرد النية حتى ينضم إليها التلبية أو سوق الهدي ، قال القفال رحمه الله في "تفسيره" : يروى عن جماعة أن من أشعر هديه أو قلده فقد أحرم ، وروى نافع عن ابن عمر أنه قال : إذا قلد أو أشعر فقد أحرم ، وعن ابن عباس : إذا قلد الهدي وصاحبه يريد العمرة والحج فقد أحرم . حجة الشافعي رضي الله عنه وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            الحجة الأولى : قوله تعالى : ( فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ) وفرض الحج لا يمكن أن يكون عبارة عن التلبية أو سوق الهدي فإنه لا إشعار ألبتة في التلبية بكونه محرما لا بحقيقة ولا بمجاز ، فلم يبق إلا أن يكون فرض الحج عبارة عن النية ، وفرض الحج موجب لانعقاد الحج ، بدليل قوله تعالى : ( فلا رفث ) فوجب أن تكون النية كافية في انعقاد الحج .

                                                                                                                                                                                                                                            الحجة الثانية : ظاهر قوله عليه الصلاة والسلام : وإنما لكل امرئ ما نوى .

                                                                                                                                                                                                                                            الحجة الثالثة : القياس ؛ وهو أن ابتداء الحج كف عن المحظورات ، فيصح الشروع فيه بالنية كالصوم . حجة أبي حنيفة رضي الله عنه وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : ما روى أبو منصور الماتريدي في "تفسيره" عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : لا يحرم إلا من أهل أو لبى .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : أن الحج عبادة لها تحليل وتحريم فلا يشرع فيه إلا بنفس النية كالصلاة .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية