(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=198ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=198ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين ) فيه مسائل :
المسألة الأولى : في الآية حذف والتقدير : ليس عليكم جناح في أن تبتغوا فضلا والله أعلم .
المسألة الثانية : اعلم أن الشبهة كانت حاصلة في حرمة
nindex.php?page=treesubj&link=32984التجارة في الحج من وجوه :
أحدها : أنه تعالى منع عن الجدال فيما قبل هذه الآية ، والتجارة كثيرة الإفضاء إلى المنازعة بسبب المنازعة في قلة القيمة وكثرتها ، فوجب أن تكون التجارة محرمة وقت الحج .
وثانيها : أن التجارة كانت محرمة وقت الحج في دين أهل الجاهلية ، فظاهر ذلك شيء مستحسن ؛ لأن المشتغل بالحج مشتغل بخدمة الله تعالى ، فوجب أن لا يتلطخ هذا العمل منه بالأطماع الدنيوية .
وثالثها : أن المسلمين لما علموا أنه صار كثير من المباحات محرمة عليهم في وقت الحج ، كاللبس والطيب والاصطياد والمباشرة مع الأهل غلب على ظنهم أن الحج لما صار سببا لحرمة اللبس مع مساس الحاجة إليه فبأن يصير سببا لحرمة التجارة مع قلة الحاجة إليها كان أولى .
ورابعها : عند الاشتغال بالصلاة يحرم الاشتغال بسائر الطاعات فضلا عن المباحات ؛ فوجب أن يكون الأمر كذلك في الحج ؛ فهذه الوجوه تصلح أن تصير شبهة في تحريم الاشتغال بالتجارة عند الاشتغال بالحج ، فلهذا السبب بين الله تعالى ههنا أن التجارة جائزة غير محرمة ، فإذا عرفت
[ ص: 146 ] هذا فنقول : المفسرون ذكروا في تفسير قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=198أن تبتغوا فضلا من ربكم ) وجهين :
الأول : أن المراد هو التجارة ، ونظيره قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=20وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله ) [المزمل : 20] وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=73جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ) [القصص : 73] ثم الذي يدل على صحة هذا التفسير وجهان :
الأول : ما روى
عطاء عن
ابن مسعود وابن الزبير أنهما قرآ : "أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج" .
والثاني : الروايات المذكورة في سبب النزول .
فالرواية الأولى : قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : كان ناس من العرب يحترزون من التجارة في أيام الحج وإذا دخل العشر بالغوا في ترك البيع والشراء بالكلية ، وكانوا يسمون التاجر في الحج الداج ؛ ويقولون : هؤلاء الداج ، وليسوا بالحاج ، ومعنى الداج : المكتسب الملتقط ، وهو مشتق من الدجاجة ، وبالغوا في الاحتراز عن الأعمال ، إلى أن امتنعوا عن إغاثة الملهوف ، وإغاثة الضعيف وإطعام الجائع ، فأزال الله تعالى هذا الوهم ، وبين أنه لا جناح في التجارة ، ثم إنه لما كان ما قبل هذه الآية في أحكام الحج ، وما بعدها أيضا في الحج ، وهو قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=198فإذا أفضتم من عرفات ) دل ذلك على أن هذا الحكم واقع في زمان الحج ، فلهذا السبب استغنى عن ذكره .
والرواية الثانية : ما روي
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011836عن ابن عمر أن رجلا قال له : إنا قوم نكري ، وإن قوما يزعمون أنه لا حج لنا ، فقال : سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم عما سألت ولم يرد عليه حتى نزل قوله : ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=198ليس عليكم جناح ) فدعاه وقال : أنتم حجاج . وبالجملة فهذه الآية نزلت ردا على من يقول : لا حج للتجار والأجراء والجمالين .
والرواية الثالثة : أن
عكاظ ومجنة وذا المجاز كانوا يتجرون في أيام الموسم فيها ، وكانت معايشهم منها ، فلما جاء الإسلام كرهوا أن يتجروا في الحج بغير إذن ، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية .
والرواية الرابعة : قال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد : إنهم كانوا لا يتبايعون في الجاهلية
بعرفة ولا
منى ، فنزلت هذه الآية .
إذا ثبت صحة هذا القول فنقول : أكثر الذاهبين إلى هذا القول حملوا الآية على التجارة في أيام الحج ، وأما
أبو مسلم فإنه حمل الآية على ما بعد الحج ، قال : والتقدير : فاتقون في كل أفعال الحج ، ثم بعد ذلك (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=198ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم ) ونظيره قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=10فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله ) [الجمعة : 10] .
واعلم أن هذا القول ضعيف من وجوه :
أحدها : الفاء في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=198فإذا أفضتم من عرفات ) يدل على أن هذه الإفاضة حصلت بعد ابتغاء الفضل ، وذلك يدل على وقوع التجارة في زمان الحج .
وثانيها : أن حمل الآية على موضع الشبهة أولى من حملها لا على موضع الشبهة ، ومعلوم أن محل الشبهة هو التجارة في زمن الحج ، فأما بعد الفراغ من الحج فكل أحد يعلم حل التجارة .
أما ما ذكره
أبو مسلم من قياس الحج على الصلاة فجوابه : أن الصلاة أعمالها متصلة فلا يصح في أثنائها التشاغل بغيرها ، وأما أعمال الحج فهي متفرقة بعضها عن بعض ، ففي خلالها يبقى المرء على الحكم الأول حيث لم يكن حاجا . لا يقال : بل حكم الحج باق في كل تلك الأوقات ، بدليل أن حرمة التطيب واللبس وأمثالهما باقية ، لأنا نقول : هذا قياس في مقابلة النص فيكون ساقطا .
[ ص: 147 ] القول الثالث : أن المراد بقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=198أن تبتغوا فضلا من ربكم ) هو أن
nindex.php?page=treesubj&link=30503_3508يبتغي الإنسان حال كونه حاجا أعمالا أخرى تكون موجبة لاستحقاق فضل الله ورحمته مثل إعانة الضعيف ، وإغاثة الملهوف ، وإطعام الجائع ، وهذا القول منسوب إلى
nindex.php?page=showalam&ids=11958أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليهم السلام ، واعترض القاضي عليه بأن هذا واجب أو مندوب ، ولا يقال في مثله : لا جناح عليكم فيه ، وإنما يذكر هذا اللفظ في المباحات .
والجواب : لا نسلم أن هذا اللفظ لا يذكر إلا في المباحات ، والدليل عليه قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=101فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ) والقصر بالاتفاق من المندوبات ، وأيضا
nindex.php?page=treesubj&link=28668فأهل الجاهلية كانوا يعتقدون أن ضم سائر الطاعات إلى الحج يوقع خللا في الحج ونقصا فيه ، فبين الله تعالى أن الأمر ليس كذلك بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=236لا جناح عليكم ) [البقرة : 236] .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=198لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=198لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ ) فِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : فِي الْآيَةِ حَذْفٌ وَالتَّقْدِيرُ : لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِي أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : اعْلَمْ أَنَّ الشُّبْهَةَ كَانَتْ حَاصِلَةً فِي حُرْمَةِ
nindex.php?page=treesubj&link=32984التِّجَارَةِ فِي الْحَجِّ مِنْ وُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّهُ تَعَالَى مَنَعَ عَنِ الْجِدَالِ فِيمَا قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ ، وَالتِّجَارَةُ كَثِيرَةُ الْإِفْضَاءِ إِلَى الْمُنَازَعَةِ بِسَبَبِ الْمُنَازَعَةِ فِي قِلَّةِ الْقِيمَةِ وَكَثْرَتِهَا ، فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ التِّجَارَةُ مُحَرَّمَةً وَقْتَ الْحَجِّ .
وَثَانِيهَا : أَنَّ التِّجَارَةَ كَانَتْ مُحَرَّمَةً وَقْتَ الْحَجِّ فِي دِينِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ ، فَظَاهِرُ ذَلِكَ شَيْءٌ مُسْتَحْسَنٌ ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَغِلَ بِالْحَجِّ مُشْتَغِلٌ بِخِدْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَتَلَطَّخَ هَذَا الْعَمَلُ مِنْهُ بِالْأَطْمَاعِ الدُّنْيَوِيَّةِ .
وَثَالِثُهَا : أَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمَّا عَلِمُوا أَنَّهُ صَارَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُبَاحَاتِ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِمْ فِي وَقْتِ الْحَجِّ ، كَاللُّبْسِ وَالطِّيبِ وَالِاصْطِيَادِ وَالْمُبَاشَرَةِ مَعَ الْأَهْلِ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِمْ أَنَّ الْحَجَّ لَمَّا صَارَ سَبَبًا لِحُرْمَةِ اللُّبْسِ مَعَ مَسَاسِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ فَبِأَنْ يَصِيرَ سَبَبًا لِحُرْمَةِ التِّجَارَةِ مَعَ قِلَّةِ الْحَاجَةِ إِلَيْهَا كَانَ أَوْلَى .
وَرَابِعُهَا : عِنْدَ الِاشْتِغَالِ بِالصَّلَاةِ يَحْرُمُ الِاشْتِغَالُ بِسَائِرِ الطَّاعَاتِ فَضْلًا عَنِ الْمُبَاحَاتِ ؛ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فِي الْحَجِّ ؛ فَهَذِهِ الْوُجُوهُ تَصْلُحُ أَنْ تَصِيرَ شُبْهَةً فِي تَحْرِيمِ الِاشْتِغَالِ بِالتِّجَارَةِ عِنْدَ الِاشْتِغَالِ بِالْحَجِّ ، فَلِهَذَا السَّبَبِ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى هَهُنَا أَنَّ التِّجَارَةَ جَائِزَةٌ غَيْرُ مُحَرَّمَةٍ ، فَإِذَا عَرَفْتَ
[ ص: 146 ] هَذَا فَنَقُولُ : الْمُفَسِّرُونَ ذَكَرُوا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=198أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ ) وَجْهَيْنِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ الْمُرَادَ هُوَ التِّجَارَةُ ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=20وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ) [الْمُزَّمِلِ : 20] وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=73جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ ) [الْقَصَصِ : 73] ثُمَّ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا التَّفْسِيرِ وَجْهَانِ :
الْأَوَّلُ : مَا رَوَى
عَطَاءٌ عَنِ
ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُمَا قَرَآ : "أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ" .
وَالثَّانِي : الرِّوَايَاتُ الْمَذْكُورَةُ فِي سَبَبِ النُّزُولِ .
فَالرِّوَايَةُ الْأُولَى : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : كَانَ نَاسٌ مِنَ الْعَرَبِ يَحْتَرِزُونَ مِنَ التِّجَارَةِ فِي أَيَّامِ الْحَجِّ وَإِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ بَالَغُوا فِي تَرْكِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ بِالْكُلِّيَّةِ ، وَكَانُوا يُسَمُّونَ التَّاجِرَ فِي الْحَجِّ الدَّاجَّ ؛ وَيَقُولُونَ : هَؤُلَاءِ الدَّاجُّ ، وَلَيْسُوا بِالْحَاجِّ ، وَمَعْنَى الدَّاجِّ : الْمُكْتَسِبُ الْمُلْتَقِطُ ، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الدَّجَاجَةِ ، وَبَالَغُوا فِي الِاحْتِرَازِ عَنِ الْأَعْمَالِ ، إِلَى أَنِ امْتَنَعُوا عَنْ إِغَاثَةِ الْمَلْهُوفِ ، وَإِغَاثَةِ الضَّعِيفِ وَإِطْعَامِ الْجَائِعِ ، فَأَزَالَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الْوَهْمَ ، وَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا جُنَاحَ فِي التِّجَارَةِ ، ثُمَّ إِنَّهُ لَمَّا كَانَ مَا قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ فِي أَحْكَامِ الْحَجِّ ، وَمَا بَعْدَهَا أَيْضًا فِي الْحَجِّ ، وَهُوَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=198فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ ) دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ وَاقِعٌ فِي زَمَانِ الْحَجِّ ، فَلِهَذَا السَّبَبِ اسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِهِ .
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ : مَا رُوِيَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011836عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَهُ : إِنَّا قَوْمٌ نُكْرِي ، وَإِنَّ قَوْمًا يَزْعُمُونَ أَنَّهُ لَا حَجَّ لَنَا ، فَقَالَ : سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا سَأَلْتَ وَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى نَزَلَ قَوْلُهُ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=198لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ ) فَدَعَاهُ وَقَالَ : أَنْتُمْ حُجَّاجٌ . وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ رَدًّا عَلَى مَنْ يَقُولُ : لَا حَجَّ لِلتُّجَّارِ وَالْأُجَرَاءِ وَالْجَمَّالِينَ .
وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ : أَنَّ
عُكَاظَ وَمَجَنَّةَ وَذَا الْمَجَازِ كَانُوا يَتِّجِرُونَ فِي أَيَّامِ الْمَوْسِمِ فِيهَا ، وَكَانَتْ مَعَايِشُهُمْ مِنْهَا ، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ كَرِهُوا أَنْ يَتَّجِرُوا فِي الْحَجِّ بِغَيْرِ إِذْنٍ ، فَسَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ .
وَالرِّوَايَةُ الرَّابِعَةُ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٌ : إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَتَبَايَعُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ
بِعَرَفَةَ وَلَا
مِنًى ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ .
إِذَا ثَبَتَ صِحَّةُ هَذَا الْقَوْلِ فَنَقُولُ : أَكْثَرُ الذَّاهِبِينَ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ حَمَلُوا الْآيَةَ عَلَى التِّجَارَةِ فِي أَيَّامِ الْحَجِّ ، وَأَمَّا
أَبُو مُسْلِمٍ فَإِنَّهُ حَمَلَ الْآيَةَ عَلَى مَا بَعْدَ الْحَجِّ ، قَالَ : وَالتَّقْدِيرُ : فَاتَّقُونِ فِي كُلِّ أَفْعَالِ الْحَجِّ ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=198لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ ) وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=10فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ) [الْجُمُعَةِ : 10] .
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ ضَعِيفٌ مِنْ وُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : الْفَاءُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=198فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْإِفَاضَةَ حَصَلَتْ بَعْدَ ابْتِغَاءِ الْفَضْلِ ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى وُقُوعِ التِّجَارَةِ فِي زَمَانِ الْحَجِّ .
وَثَانِيهَا : أَنَّ حَمْلَ الْآيَةِ عَلَى مَوْضِعِ الشُّبْهَةِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهَا لَا عَلَى مَوْضِعِ الشُّبْهَةِ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَحَلَّ الشُّبْهَةِ هُوَ التِّجَارَةُ فِي زَمَنِ الْحَجِّ ، فَأَمَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الْحَجِّ فَكُلُّ أَحَدٍ يَعْلَمُ حِلَّ التِّجَارَةِ .
أَمَّا مَا ذَكَرَهُ
أَبُو مُسْلِمٍ مِنْ قِيَاسِ الْحَجِّ عَلَى الصَّلَاةِ فَجَوَابُهُ : أَنَّ الصَّلَاةَ أَعْمَالُهَا مُتَّصِلَةٌ فَلَا يَصِحُّ فِي أَثْنَائِهَا التَّشَاغُلُ بِغَيْرِهَا ، وَأَمَّا أَعْمَالُ الْحَجِّ فَهِيَ مُتَفَرِّقَةٌ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ ، فَفِي خِلَالِهَا يَبْقَى الْمَرْءُ عَلَى الْحُكْمِ الْأَوَّلِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ حَاجًّا . لَا يُقَالُ : بَلْ حُكْمُ الْحَجِّ بَاقٍ فِي كُلِّ تِلْكَ الْأَوْقَاتِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ حُرْمَةَ التَّطَيُّبِ وَاللُّبْسِ وَأَمْثَالِهِمَا بَاقِيَةٌ ، لِأَنَّا نَقُولُ : هَذَا قِيَاسٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ فَيَكُونُ سَاقِطًا .
[ ص: 147 ] الْقَوْلُ الثَّالِثُ : أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=198أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ ) هُوَ أَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=30503_3508يَبْتَغِيَ الْإِنْسَانُ حَالَ كَوْنِهِ حَاجًّا أَعْمَالًا أُخْرَى تَكُونُ مُوجِبَةً لِاسْتِحْقَاقِ فَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ مِثْلَ إِعَانَةِ الضَّعِيفِ ، وَإِغَاثَةِ الْمَلْهُوفِ ، وَإِطْعَامِ الْجَائِعِ ، وَهَذَا الْقَوْلُ مَنْسُوبٌ إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=11958أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاقِرِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ ، وَاعْتَرَضَ الْقَاضِي عَلَيْهِ بِأَنَّ هَذَا وَاجِبٌ أَوْ مَنْدُوبٌ ، وَلَا يُقَالُ فِي مِثْلِهِ : لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيهِ ، وَإِنَّمَا يُذْكَرُ هَذَا اللَّفْظُ فِي الْمُبَاحَاتِ .
وَالْجَوَابُ : لَا نُسَلِّمُ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَا يُذْكَرُ إِلَّا فِي الْمُبَاحَاتِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=101فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ ) وَالْقَصْرُ بِالِاتِّفَاقِ مِنَ الْمَنْدُوبَاتِ ، وَأَيْضًا
nindex.php?page=treesubj&link=28668فَأَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ ضَمَّ سَائِرِ الطَّاعَاتِ إِلَى الْحَجِّ يُوقِعُ خَلَلًا فِي الْحَجِّ وَنَقْصًا فِيهِ ، فَبَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ كَذَلِكَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=236لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ ) [الْبَقَرَةِ : 236] .