المسألة الثانية : اختلفوا في أن الذين حكى الله عنهم أنهم من هم ؟ فقال قوم : هم الكفار ، روي عن يقتصرون في الدعاء على طلب الدنيا أن المشركين كانوا يقولون إذا وقفوا : اللهم ارزقنا إبلا وبقرا وغنما وعبيدا وإماء ، وما كانوا يطلبون التوبة والمغفرة ، وذلك لأنهم كانوا منكرين للبعث والمعاد ، وعن ابن عباس أنس كانوا يقولون : اسقنا المطر وأعطنا على عدونا الظفر ، فأخبر الله تعالى أن من كان من هذا الفريق فلا خلاق له في الآخرة ، أي لا نصيب له فيها من كرامة ونعيم وثواب ، نقل عن الشيخ أبي علي الدقاق رحمه الله أنه قال : أهل النار يستغيثون ثم يقولون : أفيضوا علينا من الماء ، أو مما رزقكم الله في الدنيا ، طلبا للمأكول والمشروب ، فلما غلبتهم شهواتهم افتضحوا في الدنيا والآخرة ، وقال آخرون : هؤلاء قد يكونون مؤمنين ، ولكنهم يسألون الله لدنياهم ، لا لأخراهم ويكون سؤالهم هذا من جملة الذنوب حيث سألوا الله تعالى في أعظم المواقف ، وأشرف المشاهد حطام الدنيا وعرضها الفاني ، معرضين عن سؤال النعيم الدائم في الآخرة ، وقد يقال لمن فعل ذلك إنه لا خلاق له في الآخرة ، وإن كان الفاعل مسلما ، كما روي في قوله : ( إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ) [آل عمران : 77] أنها نزلت فيمن أخذ مالا بيمين فاجرة ، روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ، " إن الله يؤيد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم " ثم معنى ذلك على وجوه :
أحدها : أنه لا خلاق له في الآخرة إلا أن يتوب .
والثاني : لا خلاق له في الآخرة إلا أن يعفو الله عنه .
والثالث : لا خلاق له في الآخرة كخلاق من سأل الله لآخرته ، وكذلك لا خلاق لمن أخذ مالا بيمين فاجرة كخلاق من تورع عن ذلك ، والله أعلم .