ومن أهم مجالات الإعداد التربوي للمهتمين بالتعليم الشرعي ما يلي:
أولا: الاتجاه الإيجابي نحو الإعداد التربوي، وتقدير أهميتـه، والحاجة إليه؛ إذ يسود في بعض بيئات التعليم الشرعي نظرة سلبية تجاه العلوم التربوية، وشعور بعدم الحاجة إليها، ومصدر كثير من هذه المواقف قصور التصور حول المجال التربوي، أو اختزاله في صور نمطية ومحدودة مما درسه بعضهم في مقررات جامعية.
سألني أحد الشيوخ عن تخصصي فقلت: التربية، فقال لي: لا نحتاج لهذا التخصص، فخير ما في التربية هو ما كتبه ابن حجر وابن رجب وابن القيم، رحمهم الله.. سألته: هل تعرف ما مجالات الدراسة التربوية؟ فطلب مني التفصيل في ذلك، فحدثته عن مجالات التخطيط التربوي، وتخطيط المناهج وتطويرها، واستراتيجيات التعليم.. إلخ وكيفية الإفادة من ذلك في التعليم الشرعي، فاعتذر لي.
ثانيا: وجود حد أدنى من التأهيل والإعداد التربوي، وامتلاك طلاب العلم لثقافة تربوية تكفي لتطوير أدائهم في ميدان تدريس العلم الشرعي، وإدارة مؤسساته ومناشطه، وبخاصة أن كثيرا منهم لـم يتلق إعدادا تربويا، إنما اكتفى بالإعداد العلمي في التخصص.
إن امتلاك الإنسان لمنتج مادي متميز لا يعني قدرته على تسويقه وإقناع الناس به، وهكذا الأمر في العلم والمعرفة فقد يتميز الشيخ أو المعلم [ ص: 87 ] في تحصيله العلمي، لكنه لا يحسن عرض ما لديه، وربما فاقه في التعليم من تميز بالتمكن من مهارات التدريس، رغم أنه أقل منه علما وخبرة.
ولأجل ذلك جمع الله سبحانه وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم بين العلم والفصاحة والبيان فأوتي صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم، وكان أفصح العرب وأبلغهم، وأحسنهم تعـليما، كما قـال عنه صـاحبه: "فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه" (أخرجه مسلم، 537).
ثالثا: وجود عدد من المختصين في التربية من طلاب العلم الشرعي، في عدد من فروع التربية: في المناهج وطرق التدريس، والإدارة التربوية، والتخطيط التربوي، وأصول التربية، وتقنيات التعليم، وعلم النفس التربوي.. إلخ. فرغم أهمية ما يمكن أن يسهم به التربويون من غير طلاب العـلم الشـرعي، إلا أن خصـوصية المجـال الشـرعي، وكثير من جوانب تفصيلاته وتعقيداته تتطلب وجود من يجمع الأمرين معا: العلم الشرعي، والتخصص التربوي.
ورغم كثرة المختصين في الدراسات التربوية، إلا أن معظم المختصين في مناهج العلوم الشرعية ليسوا أصحاب علم شرعي راسخ، وكثير منهم انتهت علاقته بالعلم الشرعي في دراسته الجامعية، أو أن ما يملكونه من قدرات وعمق شخصي لا يؤهلهم لإنتاج معرفة جديدة، والإسهام في تطوير حقيقي للتعليم الشرعي ومناهجه. [ ص: 88 ]
رابعا: التواصل مع المتخصصين في المجالات التربوية، وإذابة كثير من الحواجز معهم، وإقامة المشروعات والبرامج المشتركة؛ إذ ينظر عدد من طلاب العلم نظرة قاصرة للمختصين في مجالات التربية وعلم النفس، ويرى بعضهم أن مجالات العلوم الشرعية في غنى عن الإفادة من هذه التخصصات، وأن أصحاب هذه التخصصات متأثرون بالغرب.
والحق أن المسؤولية تجاه هذه الفجـوة مشتركة بين الطائفتين؛ فهناك من التربويين من لا ينجـح في تقديـم نمـوذج مقنع، أو ربما قدم صورة غير إيجابية عن تخصصه، فكثير منهـم يتحـدث بقدر من المبالغة والتعميم في الأحـكام، ويقع في بعـض الأخـطاء والثغرات الشـرعية مما يفقده ثقة المستمع له. [ ص: 89 ]