الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
معلومات الكتاب

تطوير التعليم الشرعي (حاجة أم ضرورة)

الدكتور / محمد بن عبد الله الدويش

5- القلق من التطوير السلبي:

يعترض بعض الغيورين على الدعوة إلى تطوير التعليم الشرعي بأن ذلك مدعاة لفتح الباب نحو التطوير السلبي، الذي يريده أعداء الأمة، وتعلو أصواته اليوم.

ويرى هؤلاء أنه حين تصدر المطالبة بتطوير التعليم الشرعي من داخله، فإن هذا سيمثل إدانة له، كما أنه سيستثمر كشاهد من قبل الآخرين في تبرير التطوير السلبي؛ فيعطيهم المبرر والمسوغ.

إن هذا القلق له ما يبرره، ويحمل قدرا من المنطقية، ولكن ثمة ملحوظات عدة من أبرزها ما يلي:

- أن هذا التخوف لا يبرر بقاء الضعف والقصور في مخرجات التعليم الشرعي، ولا ينبغي أن نضحي بالتميز والتطور، الذي يمكن تحقيقه من أجل هذا الهاجس. [ ص: 42 ]

- لن تتوقف مشروعات التطوير والتغيير السلبي حين نتشبث بواقعنا، وكثير منها سيمضي ويحقق أهدافه، شئنا أم أبينا؛ فقد تعرضت كثير من مؤسسات التعليم الشرعي إلى عدوان ومسخ باسم التطوير، ولم يكن تحفظ الغيورين مانعا من ذلك التطوير، بل تحول إلى جزء من التاريخ، وليس المطلوب اليوم من حملة العلم الشرعي الانسياق وراء دعوات التطوير السلبي، أو القبول بالإملاءات، أو الاندفاع والتهور، إنما المبادرة بالتقويم الموضوعي والتطوير الإيجابي.

- الرفض قد يكون مدعاة لتسويق مشروعات التطوير السلبية من الداخل، فثمة من يملك نية حسنة ورغبة إيجابية، لكنه لا يسلم من تطرف وخلل منهجي، وحين يعلو صوته، أو يكون هو الصوت الوحيد من الداخل سيكون تأثيره أقوى، أما حين يبادر من يجمعون بين الغيرة والمنهجية فسيقدمون البديل الأفضل.

ولهذا نظائر في مجالات ومؤسسات شرعية أخرى؛ فقد اعترض بعض الغيورين على تطوير واقع مؤسسات شرعية، أو أنظمة قضائية إجرائية؛ حذرا من التطوير السلبي، ونجحوا مؤقتا في التماسك، إلا أن ذلك قاد إلى تطوير بعيد عن رأيهم وإشرافهم.

ومن المبادرات الإيجـابية في تطـوير التعليم الشرعـي ما دعا إليه عبد الحميد بن باديس، رحمه الله، فقد دعا في رسالته التي وجهها إلى رجال التربية والتعليم في الجزائر، إلى عقد مؤتمر عام لتبادل الآراء والخبرات في مجال التربية، قصد تحسين وتطوير الجوانب التالية: [ ص: 43 ]

- أسلوب التعليم.

- أسلوب تربية الناشئة.

- طريقة اختيار الكتب.

- تعليم البنت المسلمة ووسائل تحقيقه.

- وسائل تنظيم وترقية التعليم المسجدي.

إضافة إلى الاستفادة من خلاصة تجاربهم في مجال التربية والتعليم.

إن القائمين على العلم الشرعي اليوم بحاجة ماسة إلى إثارة جادة لسؤال التطوير، وإلى تجاوز التفكير الثنائي، الذي يحصر الأمر بين خيارين: التطوير السلبي، أو الإبقاء على الواقع الحالي، وإلى قراءة التاريخ واستيعاب الدروس، والتوازن بين التوجس والاندفاع للتطوير لذات التطوير.

وفي الأوضاع التي تعيشها بعض الدول الإسلامية اليوم، أو الأقليات المسلمة قد يضطر القائمون على التعليم الشرعي إلى بعض التنازلات مقابل الحفاظ على ما هو أهم، وقد يضطرون إلى مراجعة صياغة بعض العبارات والكتب، التي تدرس بما يقلل الشر ولا يصير الحق باطلا والباطل حقا.

والأمر في مثل هذه الأحوال محل اجتهاد ينبغي أن يدرسه أهل الشأن، ويتحاورون فيه ليصلوا إلى الموقف، الذي يحقق أعلى المصـالح، ولو فوت ما هو دونها، أو يدرأ أعلى المفاسد ولو لزم منه ارتكاب ما هو دونها. [ ص: 44 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية