الأمر الثاني: التأهيل الشرعي للمتخصصين في غير العلوم الشرعية:
يتطلب أصحاب التخصصات الأخرى - وبخاصة التخصصات الإنسانية- قدرا من التأهيل الشرعي، والحاجة ماسة لأمثال هؤلاء، سواء على مستوى من ينتجون معرفة جديدة في تخصصاتهم، ويسهمون في تقديم الحلول وتطوير النماذج الشرعية الملائمة، أو من هم دون ذلك ممن يقومون بأدوار ومهام بحثية أو عملية في إطار تخصصهم.
وكما أن طلاب العلم الشرعي لا يتوقع منهم أن يتحولوا إلى مختصين في هذه المجالات، فالمختصون في التخصصات الأخرى لا يتوقع منهم أن [ ص: 97 ] يستوعبوا تفاصيل العلوم الشرعية، واحتياجهم فيها يختلف عن احتياج طلاب العلم الشرعي.
وفي بعض الجامعات -وبالأخص الإسلامية منها- تقدم مقررات شرعية عدة للتخصصات الأخرى في إطار متطلبات الجامعـة، أو متطلبات الكلية، أو التخصص، وتدرس هذه المقررات من قبل المختصين في الأقسام الشرعية.
والسؤال المهم: هل أهداف تدريس هذه المقررات واضحة لدى المعلمين؟ وهل هي ملائمة للمتعلمين؟
وبناء عليه: هل محتوى المنهج، وتنظيم المحتوى، وعمقه ملائم هو الآخر؟
وهل من يدرس المقرر يفرق في تدريسه بين ما يقدمه لطلاب العلم الشرعي وما يقدمه لغيرهم؟
إن الاكتفاء بتدريس بعض الكتب المشتهرة في تخصص ما يعوق عن تصميم المنهج الملائم لاحتياجات هذه الفئة من المتعلمين، ومن ثم يؤثر على أهداف تدريس المقرر لهم.
إننا بحاجة ماسة لأن ندرس جيدا: ما الذي نحتاج أن نقدمه من التعليم الشرعي لأصحاب التخصصات الأخرى على مستويين:
الأول: ما يلبي احتياجهم الشخصي، باعتبارهم أفرادا.
والثاني: ما يقدم لهم الاحتياج المرتبط بتخصصاتهم، ليسهموا في توجيهها توجيها إسلاميا. [ ص: 98 ]
والإجابة عن مثل هذه الأسئلة لايمكن أن يكتفى فيها بالآراء الشخصية، بل هي بحاجة إلى ندوات ومناقشات جماعية، وإلى دراسات علمية منظمة.
ويشكو عماد الدين خليل من الثنائية في العلاقة بين المختصين في العلوم الشريعة، والمختصين في التخصصات الأخرى، فيقول: "إن الحلقات الإسلامية لا تزال تعاني من ثنائية، يمكن لمؤسسات علوم الشريعة أن تعين على تجاوزها: ففي أحد الطرفين يقف إسلاميون متمرسون بالمعرفة المعاصرة، ولا يكادون يعرفون شيئا عن علوم الشريعة، وفي الطرف الآخر يقف إسلاميون متمرسون بعلوم الشريعة، ولكنهم لا يكادون يعرفون شيئا عن العلوم والمعارف الحديثة، والخندق عميق، والهوة محزنة ولا ريب، والنتائج السيئة لهذا الانفصال أو الثنائية، تنسحب على مساحات واسعة من الجهد الإسلامي المعاصر، الذي يلتحم بالحياة الثقافية والمعرفية دونما عمق فقهي، أو يمضي بالإيغال في هذا العمق حينا آخر بعيدا عن مجرى الصراع الفكري المتشكل قبالته صباح مساء.
ولقد أوقعت هذه الثنائية الطرفين في معطيات عديدة قد يقود تراكمها إلى تشكيل إرث من الأخطاء، التي يصعب تداركها، ما لم نسارع بإيجاد الحل المناسب.. بالتحقق يتقارب بين الطرفين من خلال بذل جهود استثنائية، والاتفاق على منهج أكثر توازنا يضع في حساباته قطبي المسألة؛ حيث يصير التعامل الأكاديمي مع علوم الشريعة فرصة طيبة؛ لتحقيق الوفاق". (عماد الدين خليل، ص 628). [ ص: 99 ]