قال فمن ابتلي منكم بقضاء فليقض بما في كتاب الله تعالى ، وفي هذا إشارة إلى أن أولى فقد عده التحرز عن تقلد القضاء رضي الله عنه من البلوى بقوله فمن ابتلي منكم وهو اختيار ابن مسعود رحمه الله فإنه تحرز [ ص: 69 ] عن تقلد القضاء بعد ما حبس وضرب لأجله مرارا حتى قال بعض أصحابه رحمهم الله لو تقلدت نفعت الناس فنظر إليه شبه المغضب . أبي حنيفة
وقال لو أمرت أن أقطع البحر سباحة لكنت أقدر على ذلك وكأني بك قاضيا
ومن قال هذا اللفظ من البلاء الذي هو نعمة قال الله تعالى { اختار تقلد القضاء وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا } ، وإنما أراد من أنعم الله تعالى عليه بهذه الدرجة فليقض بما في كتاب الله تعالى وبذلك كان يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول { } وقيل أهل بيته الأقربون والأبعدون فإن تمسكتم بهما لم تضلوا قال فإن لم يجد ذلك في كتاب الله تعالى فليقض بما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم وبذلك كان يأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين { إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله تعالى وعترتي لأبي رواحة رضي الله عنه في حادثة أما كان لك في أسوة فقال أنت تسعى في رقبة قد فكت ، وأنا أسعى في رقبة لم يعرف فكاكها فقال صلى الله عليه وسلم إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله } قال فإن لم يجد ذلك فيما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فليقض بما قضى الصالحون يعني قال أبي بكر رضي الله عنهما كما جاء في الحديث { وعمر بعمر } قال فإن لم يجد فليجتهد رأيه ولا يقولن إني أرى ، وإني أخاف ، وفيه دليل على أن للقاضي أن يجتهد فيما لا نص فيه ، وأنه لا ينبغي أن لا يدع الاجتهاد في موضعه لخوف الخطأ فإن إذا ذكر الصالحون صنفحيهلا بمنزلة الاجتهاد في غير موضعه فكما لا ينبغي له أن يشتغل بالاجتهاد مع النص لا ينبغي له أن يدع الاجتهاد فيما لا نص فيه ، ثم بين طريق الحق في ذلك بقوله { ترك الاجتهاد في موضعه } ، وهذا اللفظ مروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه فإن الحلال بين والحرام بين وبين ذلك أمور مشتبهات فدع ما يريبك إلى مالا يريبك الحسن رحمه الله ، وفيه بيان أن فهو مؤد لما كلف أصاب المطلوب باجتهاده ، أو أخطأ وهو ما نقل عن المجتهد إذا لم يترك الاحتياط في موضع الريبة رحمه الله كل مجتهد مصيب والحق عند الله واحد أي مصيب في طريق الاجتهاد ابتداء ، وقد يخطئ انتهاء فيما هو المطلوب بالاجتهاد ، ولكنه معذور في ذلك لما أتى بما في وسعه . أبي حنيفة