الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
. وإذا جاء بكتاب القاضي أن لفلان علي كذا وكذا من الدين لم يجز حتى ينسبه إلى أبيه وإلى فخذه التي هو بها أو ينسبه إلى تجارة يعرف بها مشهورة ، وقد بينا قول أبي حنيفة رحمه الله في النسبة إلى التجارة ; لأنها لا تقوم مقام النسبة إلى الفخذ إلا أن يكون شيئا مشهورا لا يخفى على أحد ، وإن كان في تلك الفخذ ، أو إلى التجارة اثنان [ ص: 99 ] كذلك لم يجز حتى ينسب إلى شيء يعرف به من الآخر ; لأنه لا بد من تميز المشهود عليه من غيره .

( ألا ترى ) أنهما لو شهدا على أحد الرجلين بحضرتهما لم يقبل ذلك بدون التعيين . فكذلك في حق الغائب لا بد من تمييز المشهود عليه من الآخر على وجه لا يبقى فيه شبهة ، وإن لم يكن كذلك إلا واحدا فأقام الخصم البينة أنه قد كان فيهم رجل على ذلك الاسم والنسب ، وأنه قد مات لم يقبل ذلك منه إذا كان موته قبل تاريخ الكتاب ، وإن كان بعده قبلته وأبطلت الكتاب الذي جاء به المدعي ; لأن الثابت بالبينة بمنزلة المعلوم للقاضي ، ولو كان معلوما عند القاضي وجوده وموته قبل تاريخ الكتاب لم يمتنع لأجله من العمل بالكتاب ; لأن في الكتاب ذكر الاسم والنسب مطلقا فإنما ينصرف ذلك إلى الحي دون الميت ; لأنه إذا كان المقصود الميت يذكر في الكتاب فلان الميت وأما إذا كان موته بعد تاريخ الكتاب فكل واحد منهما كان حيا حين كتب القاضي ، وليس في الكتاب ما يميز أحدهما عن الآخر أرأيت لو ادعى هذه الدعوى على ورثة الميت واحتج ورثة الميت بالحي أكان يتمكن القاضي من القضاء على ورثة الميت بشيء ، وليس في الكتاب ما يميز مورثهم من الآخر إلا أن يكون في الكتاب فلان بن فلان لفلان ، وقد مات فيعلم بذلك أن المشهود عليه الميت منهما دون الحي ، وإن كان نسبه في ذلك الكتاب إلى أبيه وإلى بكر بن وائل ، أو إلى تميم أو همدان لم أجزه حتى ينسبه إلى فخذه التي هو منها أدناها إليه بعد أن يقول قبيلته عليها العرافة ; لأن المقصود التعريف ، وذلك لا يحصل إلا بنسبته إلى أدنى الأفخاذ أرأيت لو قالوا فلان بن فلان العربي أو نسبوه إلى آدم صلى الله عليه وسلم أكان يحصل التعريف بذلك

( قال ) إلا أن يكون رجلا مشهورا أشهر من القبيلة فيقبل ذلك إذا نسبه إلى تلك الشهرة فالتمييز بينه وبين غيره يحصل بالشهرة فيقوم ذلك مقام ذكر الاسم والنسب .

التالي السابق


الخدمات العلمية