الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
رجل معه شاة فمر رجل فقال اذبحها فذبحها ، ثم جاء رجل فأقام البينة أن هذا أغصبها منه وأقام شاهدين أحدهما الذابح لم تجز شهادة الذابح ; لأنه دافع المغرم عن نفسه فالمدعي إذا ثبت ملكه يتمكن من تضمين الذابح والذابح بشهادته يصير مقرا بالضمان له عن نفسه فإنما يقصد بإخراج الكلام مخرج الشهادة دفع المغرم عن نفسه بأن يتوصل صاحبها إلى حقه في تضمين الغاصب ، ولأن ضمان الغصب إذا تقرر أوجب الملك للغاصب فهو بهذه الشهادة يريد أن يقرر الضمان على من أمره بالذبح ليثبت الملك له فيعتبر عند ذلك أمره في إسقاط الضمان عن الذابح فكان دافع المغرم من هذا الوجه والثاني يحتمل أن المالك غيره وغيره يضمنه وهو لا يضمنه باعتبار أن بينهما محبة ومودة فقد تمكنت التهمة في هذه الشهادة .

( قال ) ومن التهاتر أن يشهد الشاهدان أن هذا الشيء لم يكن له ; لأن هذا نفي والشهادة للإثبات دون النفي فإن النفي مما لا يعرف ; لأن الإنسان ما لم يصحب غيره أناء الليل وأطراف النهار لا يعلم أن هذا الشيء ليس له وهو ، وإن صحبه لا يعلم ذلك أيضا فقد لا يعرف الإنسان ذلك من نفسه بأن يكون ورث شيئا فيكون [ ص: 149 ] مملوكا له وهو لا يعلم بذلك . فإذا كان لا يعرف هذا من نفسه فكيف يعرف غيره منه ، وكذلك لو شهد أنه لم يكن لفلان على فلان دين ; لأنه لا طريق إلى معرفة ما شهد به من نفي الدين عن ذمته ، وكذلك كل شهادة هكذا أنها لم تكن ، وإن فلانا لم يصنع كذا ، وأنه لم يحضر مكان كذا ، وإن كان بمكان كذا فهو كله باطل ; لأن القاضي يعلم أنه مجازف في شهادته إذ لا طريق له إلى معرفة ذلك حقيقة . فإذا علم الحاكم أن الشاهد كاذب أو مجازف في شهادته لا تقبل شهادته ، وكذلك قولهم أنه لم يحضر يومئذ ذلك المكان فهذا نفي ، وكذلك قولهم إنه كان يومئذ بمكان كذا وكذا ; لأن المقصود ليس هو إثبات كونه في ذلك المكان ، وإنما المقصود نفي كونه في المكان الذي يدعيه المدعي يومئذ والمعتبر ما هو المقصود ، أو من التهاتر أن يقيم الرجل البينة على حق فيقضى له به فيقول المقضي عليه أنا أقيم بينة أنه لي فهذا لا يقبل منه ; لأنه يقيم البينة لإبطال قضاء القاضي عليه ودعواه ذلك غير مسموع فكيف تقبل بينة عليه وهذه البينة لو كانت قائمة له عند القضاء يمتنع القاضي من القضاء للمدعي فلأن لا يبطل القضاء بها أولى .

( قال ) ولو قبلت مثل هذا لقبلت من الآخر مثلها فيؤدي إلى ما لا يتناهى وذكر في الأصل المسألة التي بيناها في كتاب الحدود إذا شهد أربعة على شهود الزنا أنهم التزماه ، وقد بيناها ثمة والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية