الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وإذا لم يطعن الخصم في الشاهد فلا ينبغي أن يسأل عنه في قول أبي حنيفة رحمه الله ، ولكنه يقضي بظاهر العدالة إلا أن يطعن الخصم . وقال أبو يوسف ومحمد يسأل عنهم ، وإن لم يطعن الخصم وقيل هذا اختلاف عصر وزمان فقد كان أبو حنيفة رحمه الله يفتي في القرن الثالث ، وقد شهد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصدق والخيرية بقوله صلى الله عليه وسلم { خير الناس قرني } الحديث وكانت الغلبة للعدول في ذلك الوقت ; فلهذا كان يكتفي بظاهر العدالة وهما أفتيا بعد ذلك في القرن الذي شهد رسول الله على أهله بالكذب بقوله صلى الله عليه وسلم { ، ثم يفشو الكذب حتى يشهد الرجل قبل أن يستشهد } وكانت الغلبة في ذلك الوقت لغير العدول فقال لا بد للقاضي أن يسأل عن الشهود وحجتهما أن اشتراط العدالة في الشاهد للقضاء بشهادته ثابت بالنص قال الله تعالى { اثنان ذوا عدل منكم } وقيل السؤال عنهما صفة العدالة محتملة فيهما والشرط لا يثبت بما هو محتمل توضيحه أن على القاضي أن يصون نفسه عن القضاء بشهادة الفاسق فقد أمر بالتثبت في خبر الفاسق فإنما يسأل عن الشهود صيانة لقضائه فلا يتوقف ذلك على طلب الخصم ولئن كان ذلك لحق الخصم فليس لكل خصم يبصر حجته فربما يهاب الخصم الشهود فلا يجاهر بالطعن فيهم والقاضي مأمور بالنظر لكل من عجز عن النظر لنفسه .

( ألا ترى ) أن في الحدود يسأل عن الشهود ، وإن لم يطعن الخصم لهذا المعنى .

فكذلك في الأموال وأبو حنيفة رحمه الله استدل بظاهر الحديث { المسلمون عدول بعضهم على بعض } فهذا من صاحب الشرع تعديل لكل مسلم فتعديل صاحب الشرع أقوى من تعديل المزكي ، ثم العدالة هي الاستقامة يقال للجادة طريق عدل وللبيان طريق عدل جائز ، وقد علم القاضي منهم الاستقامة واعتقد ، وذلك يحمله على الاستقامة في التعاطي فعليه أن يتمسك به ما لم يظهر خلافه فهذا دليل شرعي فوق خبر مزكى ، وإنما يعتمد هذا الدليل إذا لم يطعن الخصم . فأما بعد طعنه يقع التعارض ; لأن الخصم مسلم ودينه يمنعه من أن يجازف بالطعن فيهم فللتعارض وجب على القاضي أن يسأل حتى يظهر المرجح لأحد الجانبين بخبر المزكي . فأما في الحدود يسأل ، وإن لم يطعن الخصم احتيالا للدرء ، وقد أمر بدرء الحدود ; لأن الحدود إن وقع فيها غلط لا يمكن تداركه وبظاهر العدالة لا تنتفي الشبهة ففيما يندرئ بالشبهات لا يكتفى بذلك . فأما المال مما يثبت مع [ ص: 89 ] الشبهات . وإذا وقع الغلط فيه أمكنه التدارك فيكتفي بظاهر العدالة في ذلك ما لم يطعن الخصم . وإذا سأل عن الشهود لم يقض بشهادتهم حتى تأتي مسألته مزكاة يعني أن المزكي إن كتب في جوابه أنهم عدول لا يكتفي بذلك فالعدل قد لا يكون من أهل الشهادة كالعبد عدل في روايته ، وكذلك إن كتب عدول أحرار فالمحدود في القذف بعد التوبة حر عدل ، وكذلك إن كتب أنه نفذ فقد بطل هذا اللفظ على المستور الذي لا يعرف حاله فإن كتب أنه مزكى فهو تنصيص على وجوب العمل بشهادته ، ولأن القاضي إنما طلب من المزكي التزكية فينبغي أن يجيبه إلى ما طلب بلفظه كما أنه طلب من الشاهد أن يشهد فما لم يأت بلفظة الشهادة لا تقبل شهادته

التالي السابق


الخدمات العلمية