الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وينبغي له أن لا يشتري شيئا ولا يبتع في مجلس القضاء لنفسه ; لأنه جلس للقضاء فلا يخلط به ما ليس من القضاء ومعاملته لنفسه في شيء ، ولأن الإنسان فيما يبيع ويشتري يماكس عادة ، وذلك يذهب حشمة مجلس القضاء ويضع من جاهه بين الناس ، وفي قوله لنفسه إشارة إلى أنه لا بأس بأن يفعل ذلك في مجلس القضاء ليتيم ، أو ميت مديون فإن ذلك من عمل القضاء ، وإنما جلس لأجله ومباشرة ذلك في مجلس القضاء يكون أبعد عن التهمة منه إذا باشره في غير مجلس القضاء ولا بأس بأن يبيع ويشتري لنفسه في غير مجلس القضاء عندنا ومن العلماء رحمهم الله من كره ذلك للقاضي ويروون في ذلك حديثا أن النبي صلى الله عليه وسلم { قال لا يبيع القاضي ولا يبتاع } ، ولأن العادة أن الناس يسامحون في المعاملة مع القضاء بين أيديهم خوفا منهم ، أو طمعا فيهم فيكون من هذا الوجه في معنى من يأكل بدينه والمقصود يحصل إذا فوض ذلك إلى غيره ليباشر على وجه لا يعلم أنه يباشر ، ولكن نقول نستدل بما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم { اشترى سراويل بدرهمين } الحديث فقد باشر رسول الله صلى الله عليه وسلم الشراء لنفسه وكان رؤساء القضاء والخلفاء الراشدون رضوان الله عليهم كانوا يباشرون ذلك بأنفسهم حتى أن أبا بكر رضي الله عنه بعد ما استخلف حمل متاعا من متاع أهله إلى السوق ليبيعه ، ولأنه بعد تقلد القضاء يحتاج لنفسه وعياله إلى ما كان محتاجا إليه قبل التقلد وبأن تقلد هذه الأمانة لا يمتنع عليه معنى النظر لنفسه والقيام بمصالح عياله وتهمة المسامحة موهومة ، أو هو نادر فلا يمتنع عليه التصرف لأجله ، ولأن ذلك إذا لم تكن مباشرة هذا التصرف من عادة القاضي في كل وقت .

فأما إذا كان ذلك من عادته فقلما يسامح في ذلك فوق ما يسامح به غيره وتأويل النهي إن صح في مجلس القضاء ولا يسار أحد الخصمين بشيء ; لأن ذلك يجر إليه تهمة الميل وينكسر بسببه قلب الآخر [ ص: 78 ] وبه ينتقص حشمة مجلس القضاء فلا ينبغي أن يشتغل به .

التالي السابق


الخدمات العلمية