الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وقال الشافعي رحمه الله الكافر فاسق ولا تقبل شهادته كالفاسق المسلم وبيان قوله تعالى { أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا } . وقال الله تعالى والكافرون هم الفاسقون والفسق عبارة عن الخروج يقال فسقت الرطبة إذا خرجت من قشرها وسميت الفأرة فويسقة لخروجها من جحرها وسمي المسلم بذلك لخروجه عن حد الدين تعاطيا والكافر لخروجه عن حد الدين اعتقادا . فإذا ثبت أنه فاسق وجب التوقف في خبره بالنص والشرط في الشاهد بالنص أن يكون مرضيا قال الله تعالى { ممن ترضون من الشهداء } والكافر لا يكون مرضيا والدليل عليه أن شهادته على المسلمين لا تقبل وكل من لا يكون من أهل الشهادة على المسلمين لا يكون من أهل الشهادة على أحد كالعبيد والصبيان بل أولى فالعبد المسلم أحسن حالا من الكافر .

( ألا ترى ) أن خبره في الديانات يقبل ولا يقبل خبر الكافر .

ولأن الرق من آثار الكفر . فإذا كان أثر الكفر يخرجه من الأهلية للشهادة فأصل الكفر أولى وقاس بالمرتد واستدل ببطلان شهادته على قضاء قاضي المسلمين وعلى شهادة المسلم فلو كان من أهل الشهادة لقبلت شهادته في هذا إذا كان الخصم كافرا وحجتنا في ذلك قوله تعالى { ، أو آخران من غيركم } أي من غير دينكم وهو بناء على قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم } إلى قوله { ، أو آخران من غيركم } ففيه تنصيص على جواز شهادتهم على وصية المسلم ومن ضرورة جواز شهادتهم على وصية المسلم جوازها على وصية الكافر ، وما يثبت بضرورة النص فهو كالمنصوص ، ثم انتسخ في لك في حق المسلم بانتساخ حكم ولايتهم على المسلمين فبقي حكم الشهادة فيما بينهم على ما ثبت بضرورة النص فليس من ضرورة [ ص: 135 ] انتساخ شهادتهم على المسلمين انتساخ شهادة بعضهم على بعض كالولاية { ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم يهوديين دينا بشهادة أربعة منهم } .

وعن أبي موسى رضي الله عنه أن { النبي صلى الله عليه وسلم أجاز شهادة النصارى بعضهم على بعض } وعن عمر وعلي رضي الله عنهما في ذميين دينا قالا يدفعان إلى أهل دينهما ليحكم بينهما ومن ضرورة جواز حكم بعضهم على بعض والسلف رحمهم الله كانوا مجمعين على هذا حتى قال يحيى بن أكثم رحمه الله تتبعت أقاويل السلف فلم أجد أحدا منهم لم يجوز شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض إلا أني رأيت لربيعة فيه قولين والمعنى فيه أن الكافر من أهل الولاية فيكون من أهل الشهادة كالمسلم وبيان الوصف في قوله تعالى { والذين كفروا بعضهم أولياء بعض } والمراد منه الولاية دون الموالاة فإنه معطوف على قوله تعالى { ما لكم من ولايتهم من شيء } والدليل عليه أنها تصح الأنكحة فيما بينهم ولا نكاح إلا بولي والمسلم إذا خطب إلى كتابي ابنته الصغيرة فزوجها منه جاز النكاح .

ولأن الكافر من أهل الولاية على نفسه وماله على الإطلاق فيكون من أهل الولاية على غيره عند وجود شرط تعدي ولايته إلى الغير والشهادة نوع ولاية . فإذا ثبتت الأهلية للولاية تثبتت الأهلية للشهادة ، ثم المقبول يترجح جانب الصدق ، وذلك في انزجاره عما يعتقده حراما في دينه والكافر منزجر عن ذلك فتقبل شهادته واسم العدالة والرضاء ثبت في حق الكافر في المعملات بصفة الأمانة فقد وصفه الله تعالى بذلك في قوله عز وجل { ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار } ولا يقال إنهم أظهروا الكفر عنادا كما قال الله تعالى { وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا } ; لأن هذا كان في الأحبار الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تواطئوا على كتمان بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ونبوته فلا شهادة لأولئك عندنا . فأما من سواهم يعتقدون الكفر ; لأن عندهم أن الحق ما هم عليه قال الله تعالى { ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني } . وقال عز وجل { ، وإن فريقا منهم ليكتمون الحق } وبهذا التحقيق يتبين أن فسقهم فسق اعتقاد ، وقد بينا أن هذا لا يمكن تهمة الكذب في الشهادة ، وإنما لا تقبل شهادتهم على المسلمين لانقطاع ولايتهم عن المسلمين .

التالي السابق


الخدمات العلمية