الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
والشهادة على الشهادة جائزة في كل شيء ما خلا القصاص والحدود ، وذلك مروي عن إبراهيم رحمه الله ، وهذا ; لأن الشهادة على الشهادة فيها ضرر شبهة ينعدم ذلك بجنس الشهود من حيث إن الخبر إذا تداولته الألسنة يمكن فيه زيادة ونقصان فهو بمنزلة شهادة الرجال مع النساء تكون حجة فيما يثبت مع الشبهات دون ما يندرئ بالشبهات بل أولى فإن الشهادة على الشهادة حلف حقيقة حتى لا يصار إليها إلا عند العجز عن شهادة الأصول وشهادة النساء مع الرجال في صورة الحلف قال الله تعالى { فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان } ، وليس بحلف حقيقة حتى يجوز العمل بشهادة رجل وامرأتين مع القدرة على استشهاد رجلين عرفنا أن ذلك أقوى من الشهادة على الشهادة ، ولأنا نتيقن أن شاهد الفرع لم يعاين السبب ولا يتيقن في ذلك شهادة النساء إنما فيه تهمة الضلال والنسيان .

فإذا لم تكن شهادة النساء مع الرجال حجة في الحدود والقصاص فالشهادة على الشهادة أولى والشافعي رحمه الله يجعل الشهادة على الشهادة حجة في حقوق العباد أجمع . العقوبات وغير العقوبات في ذلك سواء ; لأنه حجة أصلية فيما هو المشهور به وهو شهادة الأصول فإثبات ذلك بشهادتهم في مجلس القضاء كثبوته بأدائهم لو حضروا بأنفسهم بخلاف شهادة النساء مع الرجال فشهادة النساء حجة ضرورية ; لأن النساء لا يحضرن محافل الرجال عادة فلا تجعل حجة إلا فيما تكثر فيه المعاملة ; لأن الضرورة تتحقق في ذلك ، وفي الحدود التي هي لله تعالى له قولان في أحد القولين يقول الشهادة على الشهادة لا تكون حجة في ذلك ; لأن شهادتهم على شهادة الأصول بمنزلة شهادتهم على إقرار المقر ، وذلك غير مقبول في الحدود التي هي لله تعالى ومقبول في حقوق العباد . فكذلك الشهادة على الشهادة ، وهذا لتحقيق الحاجة والضرورة للعباد ، وذلك ينعدم فيما هو لله تعالى ، وفي قول آخر يقول [ ص: 116 ] الشهادة على الشهادة حجة في ذلك إلا في الرجم فالشاهد على الزنا في جملة من يرجم يشترط حضوره لا محالة ، وفيما سوى ذلك من الحدود الإمام هو الذي يقيم إذا ظهر السبب عنده وظهر بالشهادة على الشهادة ; لأنها حجة أصلية ، وفيما ذكرنا جواب عن كلامه إذا تأملت .

ولا يجوز في شيء شهادة من لم يعاين ولم يسمع ; لأنه لا علم له بالشهود به وبدون العلم لا يجوز له أن يشهد قال الله تعالى { إلا من شهد بالحق وهم يعلمون } . وقال الله تعالى { وما شهدنا إلا بما علمنا } وهذا ; لأن الشاهد يعلم القاضي حقيقة الحال ويميز الصادق المخبر من الكاذب ولا يتحقق ذلك منه إذا لم يعلم به وطريق العمل المعاينة إذا كان المشهود به مما يعاين والسماع إذا كان ذلك مما يسمع كإقرار المقر والله أعلم بالصواب .

التالي السابق


الخدمات العلمية