( النوع الثاني الصلح على الإنكار ) أو السكوت ولا حجة للمدعي ( فيبطل ) خلافا للأئمة الثلاثة للخبر السابق { إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا } فإن المدعي إن كذب فقد استحل مال المدعى عليه الذي هو حرام عليه وإن صدق فقد حرم على نفسه ماله الذي هو حلال له أي : بصورة عقد فلا يقال للإنسان ترك بعض حقه قيل فيه نظر فإن الصلح ثم لم يحرم الحلال ولا حلل الحرام بل هو على ما كان عليه من التحريم والتحليل ا هـ .
ويرد بأن ما ذكر إلزام للقائلين بصحته وهو ظاهر ؛ إذ يلزم عليها أن الصلح سبب في ذلك التحليل والتحريم وقد علم من الخبر امتناع كل صلح هو كذلك كأن يصالح على نحو خمر فهذا أحل الحرام وكأن يصالح زوجته على أن لا يطلقها فهذا حرم الحلال وقد اتفقوا على أن الخبر يشمل هذين وهما على وزان ما قلناه في صلح الإنكار فحينئذ لا وجه لذلك النظر فتأمله .
أما إذا كانت له حجة كبينة فيصح لكن بعد تعديلها وإن لم يحكم بالملك على الأوجه ولا نظر إلى أن له سبيلا إلى الطعن ؛ لأن له ذلك حتى بعد القضاء بالملك أيضا على المعتمد ( إن جرى على ) هي هنا بمعنى من أو عن لما مر أن كون على والباء للمأخوذ ومن وعن للمتروك أغلبي ( نفس المدعي ) على غيره كأن ادعى عليه بدار أو دين فأنكر ثم تصالحا على نحو قن ويصح كونها على بابها والتقدير إن جرى على نفس المدعي [ ص: 194 ] عن غيره ودل عليه ذكر المأخوذ ؛ لأنه يقتضي متروكا ويصح مع عدم هذا التقدير أيضا وغايته أن البطلان فيه لأمرين كونه على إنكار وعدم العوضية فيه ( وكذا إن جرى ) الصلح من بعض المدعى ( على بعضه في الأصح ) كأن يصالحه من الدار على نصفها أما لو صالح من بعض الدين على بعضه فيبطل جزما ؛ لأن الضعيف يقدر الهبة في العين وإيراد الهبة على ما في الذمة ممتنع على ما يأتي في بابها ومر في اختلاف المتبايعين أنهما لو اختلفا هل وقع الصلح على إنكار أو إقرار صدق مدعي الإنكار ؛ لأنه الأغلب .
وقد يصح الصلح مع عدم الإقرار في مسائل : منها ما لو أسلم على أكثر من أربع نسوة ومات قبل الاختيار أنه يجوز اصطلاحهن بتساو وتفاوت ، وكذا ما لو طلق إحدى امرأتيه ومات قبل البيان لكن يأتي قبيل خيار النكاح خلافه أو ادعى اثنان وديعة بيد رجل فقال : لا أعلم لأيكما هي أو دارا بيدهما وأقام كل بينة وفي هذه كلها لا يجوز الصلح غلى غير المدعي ؛ لأنه بيع وشرطه تحقق الملك وسيأتي لذلك مزيد آخر نكاح المشرك ( وقوله ) بعد إنكاره ( صالحني عن الدار ) مثلا ( التي تدعيها ليس إقرارا في الأصح ) قال البغوي وكذا قوله لمدع عليه ألفا صالحني منها على خمسمائة أو هبني خمسمائة أو أبرئني من خمسمائة لاحتمال أن يريد به قطع الخصومة لا غير ولأنه في الثانية بأقسامها لم يقر بأن ذلك يلزمه وقد يصالح على الإنكار أي : بل هو الأغلب كما تقرر .
أما قوله ذلك ابتداء قبل إنكاره فليس إقرارا قطعا ولو قال هبني هذه أو بعنيها أو زوجني الأمه كان إقرارا بملك عينها أو أجرنيها أو أعرنيها فإقرار بملك المنفعة لا العين أو ادعى عليه دينا فقال أبرأتني أو أبرئني فإقرار أيضا وبحث السبكي تقييده بما إذا [ ص: 195 ] ذكر المال أو الدين أي : ولو بالضمير كأبرأتني منه ؛ لأنه مع حذفه يحتمل أبرأتني من الدعوى .


