الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ويشترط تساويهما ) أي الدين المحال به والدين المحال عليه في نفس الأمر [ ص: 231 ] وظن المحيل والمحتال ، وكان وجه اعتبار ظنهما هنا دون نحو البيع الاحتياط للحوالة لخروجها عن القياس ( جنسا ) فلا تصح بدراهم على دنانير وعكسه لأنها معاوضة إرفاق كالقرض ( وقدرا ) فلا يحال بتسعة على عشرة وعكسه كذلك ويصح أن يحيل من له عليه خمسة بخمسة من عشرة له على المحال عليه ( وكذا حلولا وأجلا ) وقدر الأجل [ ص: 232 ] ( وصحة وكسرا ) وجودة ورداءة وغيرها من سائر الصفات ( في الأصح ) إلحاقا لتفاوت الوصف بتفاوت القدر وأفهم اقتصاره على ما ذكر أنه لا يضر التفاوت في غيره فلو كان له ألف على اثنين متضامنين فأحال عليهما ليطالب من شاء منهما بالألف صح عند جمع متقدمين ويطالب أيهما شاء واختاره السبكي وصحح أبو الطيب خلافه لأنه كان يطالب واحدا فصار يطالب اثنين .

                                                                                                                              أما لو أحاله ليأخذ من كل خمسمائة فيصح ويبرأ كل منهما عما ضمن ولا يؤثر في صحة الحوالة وجود توثق برهن أو ضامن لأحد الدينين نعم ينتقل إليه الدين لا بصفة التوثق على المنقول المعتمد وإنما انتقل للوارث بها لأنه خليفة مورثه في حقوقه وتوابعها بخلاف غيره ويؤخذ مما تقرر عن جمع متقدمين ما صرح به بعضهم أن محل الانتقال لا بصفة التوثق أن لا ينص المحيل على الضامن أيضا وإلا لم يبرأ بالحوالة فإذا أحال الدائن ثالثا على المدين وضامنه فله مطالبة أيهما شاء وإن لم ينص له المحيل على ذلك وفي المطلب إن أطلق الحوالة ولم يتعرض لتعلق حقه بالرهن فينبغي أن تصح وجها واحدا وينفك الرهن كما إذا كان له به ضامن فأحال عليه به من له دين لا ضامن به صحت الحوالة وبرئ الضامن لأنها معاوضة أو استيفاء وكل منهما يقتضي براءة الأصيل فكذا يقتضي فك الرهن فإن شرط بقاء الرهن فهو شرط فاسد فتفسد به الحوالة إن قارنها ومن ثم لو شرط عاقد الحوالة رهنا أو ضامنا لم تصح كما رجحه الأذرعي وغيره .

                                                                                                                              [ ص: 233 ] بناء على الأصح أنها بيع دين بدين

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قول المصنف ويشترط تساويهما ) قيل مما يؤيد اعتبار التساوي في ظن المحيل والمحتال قول [ ص: 231 ] المصنف ويشترط العلم إلخ وفيه نظر لأن العلم بالجنس والقدر والصفة معتبر أيضا في المبيع في الذمة الذي هو نظير ما هنا فلا يتفرع على اعتباره هنا تخصيص الحوالة باعتبار ظن المكلف أيضا فتأمله .

                                                                                                                              ( فرع ) في فتاوى الجلال السيوطي ما نصه مسألة فيمن جبى بالأمانة ريع وقف بإذن ناظر شرعي وصرف ذلك للمستحقين والعمارة بإذنه وفضل له شيء ومن الوقف حمام تحرر على مستأجرها من أجرتها شيء فأحال الناظر الجابي عليه بما فضل له فهل تصح الحوالة أم لا .

                                                                                                                              الجواب نعم وهي عبارة عن تعيين جهة للدين المستقر على الوقف ( مسألة ) رجل له على آخر دين فمات الدائن وله ورثة فأخذ الأوصياء من المدين بعض الدين وأحالهم على آخر بالباقي فقبلوا الحوالة وضمنوا آخر فمات المحال عليه فهل لهم الرجوع على المحيل أم لا ؟ الجواب يطالبون الضامن وتركة المحال عليه فإن تبين إفلاسهما بأن فساد الحوالة لأنها لم تقع على وفق المصلحة للأيتام فيرجعون على المحيل ا هـ لا يقال قوله في المسألة الأولى الجواب نعم فيه نظر إذ لا بد في صحة الحوالة من ثبوت الدين المحال به في ذمة المحيل وهنا ليس كذلك لأن الناظر لم تشتغل ذمته بشيء بل هي بريئة والوقف لا ذمة له إلا أن يكون قد تجوز بقوله الجواب نعم وإن كان المفهوم من قوله نعم صحة الحوالة ويكون المراد أنه يصح استيفاؤه وكان الناظر أذن له في أخذ حقه من المستأجر وأذن للمستأجر أن يدفع له حقه كما قد يشعر بإرادة ذلك قوله وهي عبارة إلخ فليتأمل ففيه بعد شيء وهو أن ما فضل للجابي إن كان صرفه بغير إذن الناظر فهو متبرع فلا شيء له أو بإذنه فإذنه في الصرف يتضمن الاقتراض منه واقتراض الناظر إنما يصح على الصحيح إن كان لحاجة وشرط له الواقف أو أذن له القاضي كما سيأتي ذلك في باب الوقف فإن انتفت هذه الشروط ووقع الإذن فهو متبرع بما صرفه بالنسبة للوقف وهل يرجع به على الناظر إن شرط له الرجوع فيه نظر فليتأمل ما يأتي في الضمان في شرح قوله وإن أذن بشرط الرجوع إلخ لأنا نقول الناظر بمنزلة الولي والوقف بمنزلة شخص مديون فكما يحيل الولي على موليه فكذلك الناظر على الوقف .

                                                                                                                              ( فرع ) في الروض ولو أقرضتهما مائة أي كلا خمسين وتضامنا فأحلت بها لرجل على أن يأخذها من أيهما شاء أي أو أطلقت جاز ا هـ وبين في شرحه أن الترجيح من زيادته وذكر فروعا لذلك وفي العباب فرع من له على اثنين دين مناصفة وتضامنا فأحاله أحدهما بكله أو أحال به عليهما جاز سواء قال ليأخذه المحتال من أيهما شاء أو من كل نصفه أو أطلق ويبرأ كل عما ضمن وإن أحال هو على أحدهما برئ الآخر ومن عليه دين فأحال به على اثنين له على كل واحد قدره أو أحدهما ضامن له بقدره على آخر فأحال على الأصيل والضامن طالب أيهما شاء وينبغي تصوير ذلك بالإحالة عليهما معا إذ لو كان مرئيا برئ بالحوالة الأولى من الدين فلا تصح الثانية وقوله أو أحدهما ضامن له بقدره إلخ عبارة البغوي أو كان قد ضمن له رجل ألفا على إنسان فأحاله على الضامن إلخ وحاصلها أن إنسانا له على آخر ألف وضمنه له آخر فله أن يحيل من له عليه ألف على الضامن والأصيل ليأخذ الألف من أيهما شاء كاملة أو موزعة فتحمل عبارة العباب على ذلك وفي فتاوى السيوطي خلاف ذلك .

                                                                                                                              ( قوله وظن المحيل والمحتال ) لا يقال اعتبار ظنهما لازم لاعتبار العلم بهما قدرا وصفة وجنسا واعتبار تساويهما إذ لا يتصور العلم بهما كذلك مع تساويهما بدون العلم بتساويهما فلا حاجة إلى زيادة اعتباره لأنا نمنع اللزوم إذ قد يعتقد المحيل أن دينه خمسة عشر ويحيل عليها بعشرة عليه ثم يتبين أن دينه عشرة وهذا إن كان العلم يشمل الاعتقاد ( قوله دون نحو البيع ) قد يقال ما يشترط فيه التساوي قدرا من البيع كبيع الربوي بجنسه يشترط فيه أيضا التساوي في ظنهما كما يعلم من [ ص: 232 ] كلامهم في بيع الجزاف في باب الربا ويجاب بأن ما عدا التساوي من شروط نحو البيع لا يعتبر فيها الظن ( قول المصنف وصحة وكسرا ) ظاهره امتناع الحوالة بأحدهما على الآخر إذا اختلفا كذلك وإن استوت قيمتهما وتقدم في قاعدة مد عجوة خلافه فليراجع .

                                                                                                                              ( قوله ما صرح به بعضهم ) على هذا هلا صح شرط البقاء الآتي ( قوله على المدين وضامنه ) وعلى ما صححه أبو الطيب لا تصح الحوالة هنا ( قوله بقاء الرهن ) ومثله الضمان كما هو ظاهر ( قوله لم يصح ) مشى في الروض على الجواز وعليه فهل يصح شرط البقاء المذكور ( قوله كما رجحه الأذرعي وغيره إلخ ) لكن جزم في الروض بالجواز كما مر وحمله شيخنا الشهاب الرملي على اشتراطه على المحال عليه كما جزم بجواز شرطه عليه غير واحد والأول على المحيل إذ الدين المرهون به أو المضمون ليس عليه وهو كلام صحيح إذ الكلام في كونه جائزا فلا يفسد به العقد أو غيره فيفسد لا بالنظر لكونه لازما [ ص: 233 ] أولا فسقط القول بأنه شرط على أجنبي عن العقد شرح م ر ( قوله بناء على الأصح ) يراجع وجه البناء



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله وظن المحيل ) إلى المتن سكت عنه المغني ولعله لإغناء قول المتن : ويشترط العلم إلخ عنه وفي البجيرمي هل يغني عن اشتراط التساوي اشتراط العلم بالدينين قدرا إلخ المراد به ما يشمل غلبة الظن كما في ع ش والظاهر لا يغني عنه لأنه لا يلزم من العلم بهما قدرا وصفة تساويهما لأن العلم بذلك يوجد مع اختلاف قدرهما كأن يكون لأحدهما عشرة والآخر خمسة ا هـ وفيه نظر لأن الإشكال كما في الجمل بالإغناء عن التساوي في ظن العاقدين والجواب إنما يدفع الإغناء عن التساوي في نفس الأمر ( قوله وكان وجه اعتبار إلخ ) هل يلائم قوله آنفا ولتوسعهم هنا إلخ محل تأمل ولو وجه الشارح ما تقدم من صحة حوالة البائع على الثمن الذي في الذمة بأنهم غلبوا فيها شائبة الاستيفاء فلا يشكل بامتناع بيعه الثمن المعين لسلم من هذه المنافاة ثم رأيت كلام العزيز مشيرا إلى [ ص: 231 ] ما ذكرته ا هـ سيد عمر .

                                                                                                                              ( قوله دون نحو البيع ) أي فلا يشترط فيه العلم بالقدر ولا ظنه ا هـ جمل ( قوله كالقرض ) عبارة المغني لأن الحوالة معاوضة ارتفاق جوزت للحاجة فاعتبر فيها الاتفاق فيما ذكر كالقرض ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله لذلك ) أي لأنها معاوضة إلخ ( قوله أن يحيل ) أي المحيل ( وقوله من له عليه خمسة ) أي الشخص الذي له على المحيل خمسة فالموصول مفعول يحيل وفاعله ضمير المحيل المعلوم من المقام ( وقوله بخمسة ) أي على خمسة فالباء بمعنى على قول المتن ( وكذا حلولا إلخ ) ولو أحال بمؤجل على مثله حلت الحوالة بموت المحال عليه ولا تحل بموت المحيل لبراءته بالحوالة نهاية ومغني أي حل الدين المحال به بموت إلخ وإلا فالحوالة لا تتصف بحلول ولا [ ص: 232 ] تأجيل ع ش قول المتن ( وصحة وكسرا ) ظاهره امتناع الحوالة بأحدهما على الآخر إذا اختلفا كذلك وإن استوت قيمتهما وتقدم في قاعدة مد عجوة خلافه فليراجع ا هـ سم .

                                                                                                                              ( قوله وجودة ورداءة إلخ ) لا يقال هذا علم من قوله أولا كرهن وحلول إلخ لأنا نقول ذاك بيان لما قصد شمول الصفة له وهذا تفصيل له وتصريح بأنه لا بد من تعلق العلم بكل واحدة منها على الأصح ا هـ ع ش وفيه تأمل ( قوله فلو كان إلخ ) عبارة المغني ولو أقرض شخص اثنين مائة مثلا على كل واحد منهما خمسون وتضامنا فأحال بها شخصا على أن يأخذ من أيها شاء جاز في أصح الوجهين وقيل لا يجوز لأنه لم يكن له إلا مطالبة واحد فلا يستفيد بالحوالة زيادة صفة ووجه الأول أنه لا زيادة في القدر ولا في الصفة قال الإسنوي ولو أحال على أحدهما بخمسين فهل ينصرف إلى الأصلية أو توزع أو يرجع إلى إرادة المحيل فإن لم يرد شيئا صرفه بنيته فيه نظر وفائدته فكاك الرهن الذي بأحدهما أي بخمسين انتهى والقياس كما قال شيخنا الرجوع إلى إرادته ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله متضامنين ) أي كل منهما ضامن عن الآخر كردي وجمل ( قوله واختاره السبكي إلخ ) عبارة النهاية كما أفتى به الوالد وإن اختار السبكي تبعا للقاضي أبي الطيب خلافه ا هـ .

                                                                                                                              فليراجع ( قوله فيصح ويبرأ إلخ ) أي بلا خلاف وإلا فهذه تعلم مما قبلها بالطريق الأولى ا هـ ع ش ( قوله ولا يؤثر ) إلى قوله ويؤخذ في المغني ( قوله ولا يؤثر إلخ ) عطف على لو كان له ألف إلخ ( قوله ينتقل إليه ) أي المحتال ( قوله في حقوقه ) أي كالدين ( وتوابعها ) أي كالرهن والضمان ( قوله ما صرح به بعضهم إلخ ) على هذا هلا صح شرط الإبقاء الآتي ا هـ سم ( قوله أيضا ) أي كنصه على الأصيل ( قوله وإلا لم يبرأ ) أي وإن نص على الضامن لم يبرأ الضامن ( وقوله فإذا أحال إلخ ) تصوير لكيفية تنصيص المحيل على الضامن المذكور بقوله وإلا إلخ ا هـ ع ش ( قوله على المدين وضامنه ) وعلى ما صححه أبو الطيب لا تصح الحوالة هنا ا هـ سم .

                                                                                                                              ( قوله على ذلك ) أي مطالبة من شاء ا هـ ع ش ( قوله إن أطلق ) أي المحيل ( قوله لتعلق حقه ) أي المحيل ( وقوله أن يصح ) أي الحوالة عبارة النهاية أن تصح ا هـ بالتأنيث وهي أحسن ( وقوله وجها واحدا ) أي قطعا ا هـ ع ش ( قوله له به ) أي للمحيل بحقه ( قوله عليه به ) أي على المحال عليه بحقه الذي به ضامن ولو اقتصر على عليه أي حقه لكان أوضح ( قوله فك الرهن ) أي والضامن ( قوله فإن شرط ) أي المحيل ا هـ ع ش الأولى المحتال ( قوله بقاء الرهن ) ومثله الضمان كما هو ظاهر ا هـ سم ( قوله رهنا إلخ ) أي على المحيل ليكون تحت يد المحتال أو ضامنا لما أحيل به من الدين ا هـ ع ش .

                                                                                                                              ( قوله لم يصح ) مشى في الروض على الجواز وعليه فهل يصح شرط البقاء المذكور ا هـ سم ( قوله كما رجحه الأذرعي وغيره ) أي كالأنوار لكن جزم ابن المقري في روضه بالجواز وحمله الوالد رحمه الله تعالى على اشتراطه على المحال عليه كما جزم بجواز شرطه عليه غير واحد والأول على المحيل إذ الدين المرهون به أو المضمون ليس عليه وهو كلام صحيح إذ الكلام في كونه جائزا فلا يفسد به العقد أو غيره فيفسد لا بالنظر لكونه لازما أو لا فسقط القول بأنه شرط على أجنبي عن العقد ا هـ نهاية قال ع ش قوله ليس عليه أي المحيل بعد الحوالة لبراءة ذمته وقوله فلا يفسد العقد أي ومع ذلك فلا يلزم المحال عليه الوفاء به فلو فعل فينبغي أن يقال إن علم أنه لا يلزمه صح الرهن وإن ظن لزومه لم يصح ا هـ ع ش [ ص: 233 ] وقوله م ر فسقط القول إلخ ارتضى بهذا القول المغني وفاقا للشارح فقال بعد أن ساق كلام الشهاب الرملي المذكور ما نصه وهو بعيد إذ المحال عليه لا مدخل له في العقد فالمعتمد كلام صاحب الأنوار ولا يثبت في عقدها خيار شرط لأنه لم يبن على المعاينة ولا خيار مجلس في الأصح وإن قلنا إنها معاوضة لأنها على خلاف القياس وقيل يثبت بناء على أنها استيفاء ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله بناء على الأصح إلخ ) يراجع وجه البناء ا هـ سم أقول قد يظهر وجهه مما مر آنفا عن المغني .




                                                                                                                              الخدمات العلمية