الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ويبرأ بالحوالة المحيل عن دين المحتال والمحال عليه عن دين المحيل ويتحول حق المحتال إلى ذمة المحال عليه ) بالإجماع لأن هذا فائدتها وأفهم ذكره التحول بعد البراءة المذكورة المقتضية لسقوط حق المحتال أن المراد بتحول حقه إلى ما ذكر تحول طلبه إلى نظير حقه وهو ما بذمة المحال عليه لما تقرر أنها بيع فلا اعتراض على المتن لأنه أومأ إلى دفعه بذكره التحول بعد البراءة الدال على المراد كما تقرر وأفهم هذا ما مر أنه لا تنتقل إليه صفة التوثق لأنها ليست من حق المحتال ولو أحال من له دين على ميت صحت كما في المطلب كالبيان وغيره .

                                                                                                                              واعتمده جمع [ ص: 234 ] وإن لم يكن له تركه على الأوجه وقولهم الميت لا ذمة أي بالنسبة للالتزام لا للإلزام ولا يشكل بأن من أحال بدين به رهن انفك الرهن لأن ذاك في الرهن الجعلي لا الشرعي كما هو ظاهر لأن التركة إنما جعلت رهنا بدين الميت نظرا لمصلحته فالحوالة عليه لا تنفيه أو على تركة قسمت أولا لم تصح كما قاله كثيرون وإن خالف في ذلك بعض المتأخرين لأن الحوالة لم تقع على دين بل على عين هي التركة ومن ثم لو كان للميت ديون فللزركشي احتمالان أوجههما عدم الصحة أيضا لانتقالها للوارث وله الوفاء من غيرها نعم إن تصرف في التركة صارت دينا عليه فتصح الحوالة عليه وفيما إذا أحال على الميت لكل من المحيل والمحتال إثبات الدين عليه أما الأول فلأنه مالك الدين في الأصل وأما الثاني فلأنه يدعي مالا لغيره منتقلا منه إليه فهو كالوارث فيما يدعيه من ملك مورثه فعلم صحة ما أفتى به بعضهم أن المحيل لو مات بلا وارث فادعى المحتال أو وارثه على المحال عليه أو على وارثه بالدين المحال به فأنكر دين المحيل ومعه به شاهد واحد حلف معه المحتال أن دين محيله ثابت في ذمة الميت ويجب تسليمه إلي من تركته أو ثابت في ذمته ولا أعلم أن محيلي أبرأه قبل أن يحيلني ويسمع قول المحال عليه أن الدين انتقل لغائب قبل الحوالة فيحلف المحتال على نفي العلم إن لم يقم المحال عليه بينة بما ذكره قال ابن الصلاح ولو طالب المحتال المحال عليه [ ص: 235 ] فقال أبرأني المحيل قبل الحوالة وأقام بذلك بينة سمعت في وجه المحتال وإن كان المحيل بالبلد ا هـ .

                                                                                                                              قال الغزي وهذا صحيح في دفع المحتال أما إثبات البراءة من دين المحيل فلا بد من إعادتها في وجهه ثم المتجه أن للمحتال الرجوع بدينه على المحيل إلا إذا استمر على تكذيب المحال عليه ا هـ وفارق ما يأتي من عدم الرجوع بنحو الفلس بأن دينه هنا تحول بخلافه في الأول لتبين بطلان الحوالة وقول ابن الصلاح قبل الحوالة صريح في أنه لا تسمع منه دعوى الإبراء ولا تقبل منه بينته إلا إن صرح بأنه قبل الحوالة بخلاف ما لو أطلق ومن ثم أفتى بعضهم بأنه لو أقام بينة بالحوالة فأقام المحال عليه بينة بإبراء المحيل له لم تسمع بينة الإبراء أي وليس هذا من تعارض البينتين لما تقرر أن دعوى الإبراء المطلق والبينة الشاهدة به فاسدان فوجب العمل ببينة الحوالة لأنها لم تعارض

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله أن المراد إلخ ) فيه بحث لأن غاية ما تدل عليه البراءة المذكورة خلو ذمة المحيل من دين المحتال وهذا صادق مع كون ذلك الخلو بسبب تغير محل الدين وانتقاله من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه مع بقائه بعينه فدعوى أن ذكر البراءة يدل على أن المتحول هو الطلب لا نفس الدين وأنه يندفع بذلك الاعتراض ممنوعة إلا أن يجاب بأن ذكر براءة ذمة المحال عليه من دين المحيل يشعر بأن سبب هذه البراءة تعلق المحتال بما في ذمته وذلك يقتضي أنه استحقه عوضا عما في ذمة المحيل وقضية ذلك أن المتحول الطلب فليتأمل .

                                                                                                                              ( قوله فلا اعتراض على المتن ) كان الاعتراض المشار إليه هو ما ذكره في شرح الروض بقوله وتعبيره باللزوم أولى من تعبير أصله بالتحول لأنه ينافي ظاهرا كونها بيعا فإن البيع يقتضي أن الذي انتقل إليه غير الذي كان له والتحول يقتضي أن الأول باق بعينه لكن تغير محله ا هـ ثم رأيت الإسنوي أورد هذا الاعتراض بعينه .

                                                                                                                              ( قوله لأنها ليست من حق المحتال ) يقتضي أن المخرج لحق التوثق التعبير بالحق وفي إخراجه لذلك بحث ويظهر أن المخرج له قوله إلى [ ص: 234 ] ذمة المحال عليه فتأمل .

                                                                                                                              ( قوله ولا يشكل إلخ ) لا يقال لا إشكال وإن كان ذاك في الشرعي أيضا كما لو لم تكن تركة بالكلية وفائدتها سقوط الدين عن المحيل وتعلقه بذمة الميت وقد يتبرع أحد بوفائه لأنه ليس الإشكال في مجرد الصحة بل مع بقاء رهن التركة ( قوله بدين ) أي أو عليه ( قوله به رهن انفك ) أي والدين على الميت به رهن وهو تركته ( قوله أوجههما عدم الصحة ) وذلك لأنه إنما تسوغ الحوالة على من تسوغ للمحيل الدعوى عليه ومطالبته ومن عليه الدين للميت لا يسوغ لدائن الميت الدعوى عليه ولا مطالبته إذ لا حق له في ذمته فكيف يصح أن يحيل عليه ومن هنا صح أن يحيل على الوارث إذا تصرف في التركة وصارت دينا عليه لأنه يسوغ الدعوى عليه ومطالبته وقد اشتغلت ذمته بالتركة بل الوارث تسوغ الدعوى عليه ومطالبته وإن لم تلزم التركة ذمته لأنه خليفة المورث وإنما لم تصح الحوالة عليه إذا لم تلزم التركة ذمته لأن الحوالة إنما تصح على مدين وهو ليس بمدين حينئذ فليتأمل .

                                                                                                                              ( قوله فتصح الحوالة عليه ) لأنه يسوغ مطالبته لأنه خليفة المورث ( قوله ما أفتى به بعضهم ) وهو شيخنا الشهاب الرملي ( قوله المحتال ) أي أو وارثه ( قوله في ذمة الميت ) لعل هذا بالنظر لقوله أو على وارثه ( قوله إن لم يقم إلخ ) فإن أقامها فينبغي أن يجري هنا المتجه الآتي [ ص: 235 ] عن الغزي ( قوله فقال أبرأني المحيل ) هل كذلك إذا قال أقر أنه لم يكن له علي دين حتى يكون للمحتال الرجوع



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله بالإجماع ) راجع إلى قول المتن ويبرأ إلخ ( قوله وأفهم ذكره إلخ ) فيه بحث لأن غاية ما يدل عليه البراءة المذكورة خلو ذمة المحيل من دين المحتال وهذا صادق مع كون ذلك الخلو بسبب تغير محل الدين وانتقاله من ذمة المحيل إلى ذمة المحتال عليه مع بقائه بعينه فدعوى أن ذكر البراءة يدل على أن المتحول هو الطلب لا نفس الدين وأنه يندفع بذلك الاعتراض ممنوعة إلا أن يجاب بأن ذكر براءة ذمة المحال عليه من دين المحيل يشعر بأن سبب هذه البراءة تعلق المحتال بما في ذمته وذلك يقتضي أنه استحقه عوضا عما في ذمة المحيل وقضية ذلك أن المتحول الطلب فليتأمل . ا هـ سم ( قوله وهو ) أي النظير ( قوله فلا اعتراض على المتن ) أي بأن تعبيره بالتحول ينافي ظاهرا كونها بيعا فإن البيع يقتضي أن الذي انتقل إليه غير الذي كان له والتحول يقتضي أن الدين الأول باق بعينه ولكن تغير محله ا هـ سم .

                                                                                                                              ( قوله وأفهم ) إلى قوله ثم المتجه في النهاية ( قوله هذا ) أي قول المصنف ويتحول إلخ ( قوله لأنها ليست من حق المحتال ) يقتضي أن المخرج لحق التوثق التعبير بالحق وفي إخراجه بذلك بحث ويظهر أن المخرج له قوله إلى ذمة المحال عليه فتأمله سم على حج وكان وجه البحث منع إطلاق أن صفة التوثق ليست من حق المحتال إذا كان له حق التوثق أيضا كأن كان بدينه رهن فليتأمل ا هـ رشيدي ( قوله ولو أحال ) إلى قوله كما قاله في المغني إلا قوله وإن لم يكن إلى وقولهم : وقوله ولا يشكل إلى أو على تركة ( قوله ولو أحال من له دين إلخ ) يصح جعل من مفعولا وعلى ميت متعلقا بأحال والفاعل ضمير أحال ويصح جعل من فاعلا فعلى ميت وصف لدين لكن الأول أولى لقلة التقدير ا هـ رشيدي أقول والأولى جعل من فاعلا وجعل على ميت متعلقا بكل من أحال ومتعلق له أي ثبت على التنازع كما يدل عليه عطف قوله أو على تركة إلخ على قوله على ميت ( قوله صحت ) ويتعلق الدين المحال به على الميت بتركته إن كانت وإلا فهو باق بذمته فإن تبرع به أحد عنه برئت ذمته وإلا فلا .

                                                                                                                              ( فرع ) لو نذر المحتال عدم طلب المحال عليه صحت الحوالة والنذر وامتنع عليه مطالبته حتى يدفع من تلقاء نفسه من غير طلب وطريقه إن أراد الطلب أن يوكل في ذلك وبقي ما لو حلف أو نذر أن لا يطالبه بما عليه فأحال له عليه شخص بدين له على المحيل هل له مطالبته لأن هذا دين جديد غير الذي كان موجودا عند الحلف والنذر أم لا فيه نظر وإلا قرب الأول للعلة المذكورة فإن القرينة ظاهرة في أنه لا يطالب بالدين الموجود وفي سم على منهج قال الطبلاوي وحوالة ناظر الوقف أحد المستحقين أو غيرهم ممن له مال في جهة الوقف على من عليه دين لجهة الوقف لا تصح وما وقع من الناظر من التسويغ ليس حوالة بل إذن في القبض فله منعه من قبضه ووافقه على ذلك م ر لأن شرطها أن يكون المحيل مدينا والناظر [ ص: 234 ] ذمته بريئة ولو أحال المستحق على الناظر بمعلومه لم تصح أيضا لعدم الدين على المحال عليه قال ولو أحال على مال الوقف لم يصح كما لو أحال على التركة لأن شرط الحوالة أن تكون على شخص مدين إلى آخر ما قاله انتهى .

                                                                                                                              أقول قوله بل أذن في القبض قضيته أنه ليس لصاحب الوظيفة مخاصمة الساكن المسوغ عليه ولا تسمع دعواه وقوله والناظر ذمته بريئة يؤخذ منه أنه لو أخذ الناظر ما يستحقه المستحق في الوقف أي وتصرف فيه لنفسه صحت الحوالة عليه سم ا هـ ع ش وأقول لو قبل بتنزيل ناظر الوقف منزلة ولي المحجور فجوز كل من حوالته والحوالة عليه لم يبعد .

                                                                                                                              ( قوله وإن لم يكن له تركة ) أي ويلزم الحق ذمته ا هـ ع ش .

                                                                                                                              ( قوله أي بالنسبة إلخ ) خبر وقوله إلخ عبارة المغني إنما هو بالنسبة للمستقبل أي لم تقبل ذمته شيئا وإلا فذمته مرهونة بدينه حتى يقضي ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله لا للإلزام ) أي لا لأن يلزمها الشارع ( قوله ولا يشكل ) يعني بقاء التركة مرهونة بدين المحتال وكان عليه أن يذكره قبل الإشكال ا هـ رشيدي عبارة ع ش أي تعلقه بتركته المفهوم من قوله ولو لم تكن له تركة ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله بدين ) أي أو عليه ا هـ سم أقول كان ينبغي للشارح أن يذكره أيضا أو يقتصر عليه لأنه هو منشأ الإشكال ( قوله به رهن انفك ) أي والدين على الميت به رهن وهو تركته ا هـ سم ( قوله لأن ذاك ) أي انفكاك الرهن بالحوالة ( قوله هنا ) أي في الشرع ( قوله لمصلحته ) أي لا لمصلحة دائنه كما في الرهن الجعلي ( قوله لا تنفيه ) أي لا تنفي التعلق ا هـ ع ش .

                                                                                                                              ( قوله أوجههما عدم الصحة ) وذلك لأنه إنما تسوغ الحوالة على من تسوغ للمحيل الدعوى عليه ومطالبته ومن عليه الدين للميت لا يسوغ لدائن الميت الدعوى عليه ا هـ سم .

                                                                                                                              ( قوله نعم إلخ ) استدراك على عدم صحة الحوالة على التركة ( قوله إن تصرف إلخ ) أي وحدث دين المحيل بعد التصرف بنحو رد بعيب وإلا فالتصرف باطل كما يعلم مما يأتي في الفرائض ويجوز أن يكون مراده بالتصرف التصرف تعديا ا هـ رشيدي ويظهر أن المدار على تعلق التركة بذمة الوارث تعدى أو لا ( قوله عليه ) أي الوارث ( قوله فتصح الحوالة عليه ) أي الوارث لأنه تسوغ مطالبته لأنه خليفة المورث ا هـ سم أي والحوالة واقعة حينئذ على دين ( قوله إثبات الدين ) أي حيث أنكره الوارث ا هـ ع ش .

                                                                                                                              ( قوله ما أفتى به بعضهم ) وهو الشهاب الرملي سم ونهاية ( قوله أن المحيل لو مات بلا وارث ) قضيته أن المحتال لا يحلف مع وجود المحيل أو وارثه فليراجع ا هـ رشيدي أقول يدفعها السابق لكل من المحيل والمحتال إثبات الدين إلخ لأن الإثبات شامل للحلف أيضا فالظاهر أن قوله بلا وارث لا مفهوم له .

                                                                                                                              ( قوله ومعه ) أي المحتال أو وارثه ( قوله المحتال ) أي أو وارثه ا هـ سم .

                                                                                                                              ( قوله أن دين محيله ) أي أو محيل مورثه ( قوله في ذمة الميت ) لعل هذا بالنظر لقوله أو على وارثه ا هـ سم أي ففي كلامه اكتفاء أي أو في ذمتك ( قوله أن محيلي ) أي أو محيل مورثي ( قوله أن يحيلني ) أي أو يحيل مورثي .

                                                                                                                              ( قوله انتقل ) أي بحوالة مثلا ا هـ ع ش ( قوله إن لم يقم إلخ ) فإن أقامها فينبغي أن يجري هنا المتجه الآتي عن الغزي ا هـ سم ( قوله في وجه المحتال ) أي حضوره ( قوله [ ص: 235 ] فقال أبرأني المحيل ) هل كذلك إذا قال أقر أنه لم يكن له علي دين حتى يكون للمحتال الرجوع ا هـ سم أقول الظاهر نعم إذا كان الإقرار قبل الحوالة ( قوله سمعت إلخ ) الظاهر أنه يرجع على المحيل لتبين أن لا دين في الواقع ا هـ رشيدي ( قوله ثم المتجه إلخ ) لم يظهر وجه تقرير الشارح لهذا ومخالفته فيما سيأتي عن إفتاء بعضهم أنه لو قامت بينة بأن المحال عليه وفى المحيل إلخ ا هـ سيد عمر ويأتي عن سم مثله .

                                                                                                                              ( قوله إلا إذا استمر إلخ ) أي ولم تقم عليه بينة بالإبراء ( قوله وفارق ) أي الرجوع بإقامة البينة على الإبراء ( قوله هنا ) أي في نحو الفلس .

                                                                                                                              ( قوله بخلافه ) أي الدين ( في الأول ) أي في الإبراء ( قوله قبل الحوالة ) مقول القول ( قوله منه ) أي المحال عليه ( قوله بأنه ) أي الإبراء ( قوله لو أقام ) أي المحتال ( قوله وليس هذا ) أي إقامة كل من المحتال والمحال عليه البينة ( قوله به ) أي بالإبراء المطلق ( قوله فاسدان ) الأولى التأنيث .




                                                                                                                              الخدمات العلمية