الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ويختبر ) من جهة الولي ولو غير أصل ( رشد الصبي ) فيهما لقوله تعالى { وابتلوا اليتامى } أما في الدين فبمشاهدة حاله في فعل الطاعات وتوقي المحرمات ومن زاد على ذلك توقي الشبهات أراد التأكيد لا الاشتراط كما عرف من شرط الرشد السابق وقد جوزوا للشاهد به اعتماد العدالة الظاهرة وإن لم يحط بالباطنة ( و ) أما في المال فهو ( يختلف بالمراتب فيختبر ولد التاجر ) والسوقي ( بالبيع والشراء ) أي : بمقدماتهما فعطفه ما بعدهما عليهما من عطف الرديف أو الأخص وذلك لما يذكره بعد من عدم صحتهما منه فلا اعتراض عليه خلافا لمن زعمه ( والمماكسة فيهما ) بأن يطلب أنقص مما يريده البائع وأزيد مما يريده المشتري ويكفي اختباره في نوع من أنواع التجارة عن باقيها .

                                                                                                                              ( وولد الزراع بالزراعة والنفقة على القوام بها ) أي : بمصالحها كحرث وحصد وحفظ أي : إعطائهم الأجرة وولد نحو الأمير بالإنفاق على أتباع أبيه والفقيه بذلك ونحو شراء الكتب ( والمحترف بما يتعلق بحرفته ) يصح جره وعليه يرجع ضمير حرفته للمضاف إليه وهو سائغ وتكون فائدته أنه تعميم بعد تخصيص ويؤيده قول الكافي يختبر الولد بحرفة أبيه وأقاربه ورفعه وهو الأولى لإفادته أن ما مر في ولد نحو التاجر محله إذا لم يكن للولد حرفة واختبر حينئذ بحرفة أبيه ؛ لأن الغالب حيث لا حرفة له أنه يتطلع لحرفة أبيه وإلا اختبر الولد بما يتعلق بحرفة نفسه ولم ينظر لحرفة أبيه ؛ لأنه لا يتطلع إليها ولا يحسنها حينئذ ( و ) تختبر ( المرأة ) من جهة الولي أيضا كما هو ظاهر ولا ينافيه النص على أن النساء والمحارم يختبرونها ؛ لأن الولي ينيبهم في ذلك وعليه قيل يكفي [ ص: 169 ] أحدهما وهو الأوجه وقيل لا بد من اجتماعهما .

                                                                                                                              وقضية هذا النص أنه لا تقبل شهادة الأجانب لها بالرشد وبه أفتى ابن خلكان لكن خالفه التاج الفزاري .

                                                                                                                              قال وإنما تعرض الشافعي للطريق الغالب في الاختبار دون الزيادة ا هـ ويؤيده ما يأتي في الشهادات أن الشاهد عليها لا يكلف السؤال عن وجه تحمله عليها إلا إن كان عاميا ؛ لأنه قد يظن صحة التحمل عليها اعتمادا على صوتها ( بما يتعلق بالغزل ) أي : بفعله إن تخدرت وإلا فببيعه يطلق على المصدر والمغزول ( والقطن ) حفظا وبيعا كما تقرر فإن لم يليقا بها أو لم تعتدهما فيما يعتاده مثالها .

                                                                                                                              قال الصيمري والمرأة المبتذلة بما يختبر به الرجل ( وصون الأطعمة عن الهرة ) ؛ لأن بذلك يتبين الضبط وحفظ المال وعدم الانخداع وذلك قوام الرشد ( ونحوهما ) أي : الهرة كالفأرة والأطعمة كالأقمشة .

                                                                                                                              وإذا ثبت رشدها نفذ تصرفها من غير إذن زوجها وخبر { لا تتصرف المرأة إلا بإذن زوجها } أشار الشافعي إلى ضعفه وبفرض صحته حملوه على الندب واستدل له بأن { ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أعتقت ولم تعلمه فلم يعبه عليها وفيه ما فيه } ؛ إذ قول مالك رضي الله عنه لا تعطى الرشيدة مالها حتى تتزوج وحينئذ لا تتصرف فيما زاد على الثلث بغير إذنه ما لم تصر عجوزا لا ينافي ذلك والخنثى يختبر بما يختبر به النوعان ( ويشترط تكرر الاختبار مرتين أو أكثر ) حتى يغلب على الظن رشده ؛ لأنه قد يصيب مرة لا عن قصد ( ووقته ) أي الاختبار ( قبل البلوغ ) لإناطة الاختبار في الآية باليتيم وهو إنما يقع حقيقة على غير البالغ فالمختبر هو الولي كما مر والمراد بقبله قبيله حتى إذا ظهر رشده وبلغ سلم له ماله فورا ( وقيل بعده ) لبطلان تصرف الصبي أي : بالنسبة لنحو البيع ( فعلى الأول ) المعتمد ( الأصح ) بالرفع ( أنه لا يصح بيعه بل يمتحن في المماكسة فإذا أراد العقد عقد الولي ) لعدم صحته من المولى وعلى الوجهين يعطيه الولي مالا قليلا ليماكس به ولا يضمنه إن تلف عنده ؛ لأنه مأمور بالتسليم إليه كذا أطلقوه ولو قبل بأنه تلزمه مراقبته بحيث لا يكون [ ص: 170 ] إغفاله له حاملا على تضييعه وإلا ضمنه لم يبعد .

                                                                                                                              ( فرع ) لا يحلف ولي أنكر الرشد بل القول قوله في دوام الحجر ولا يقتضي إقراره به فك الحجر وإن اقتضى انعزاله وحيث علمه لزمه تمكينه من ماله وإن لم يثبت لكن صحة تصرفه ظاهرا متوقفة على بينة برشده أي : أو ظهوره كما صرح به بعضهم حيث قال يصدق الولي في دوام الحجر ؛ لأنه الأصل ما لم يظهر الرشد أو يثبت .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله وقد جوزوا للشاهد ) انظر فائدة ذلك [ ص: 169 ] مع قوله السابق قال ابن الصلاح إلخ .

                                                                                                                              ( قوله لكن خالفه التاج الفزاري ) ما قاله هو الأوجه ( قوله كما تقرر ) أي حفظ إن تخدرت وإلا فببيعه .

                                                                                                                              ( قوله فلم يعبه عليها ) زاد في شرح العباب بل لو أعطتها لأخواتها لكان أعظم لأجرها وهذه واقعة قولية فالاحتمال يعمهما وسندها صحيح انتهى .

                                                                                                                              ( قوله النوعان ) قال في شرح العباب ولا يكفي أحدهما لاحتمال أنه من جنس الآخر ( قول المصنف بل يمتحن ) والأوجه أنه يختبر رشد السفيه أيضا فإذا ظهر رشده عقد ؛ لأنه مكلف .

                                                                                                                              ( فرع ) أفتى شيخنا الشهاب الرملي بأن من علم الحجر عليه بعد البلوغ استصحب إلى أن يثبت الرشد بخلاف من لم يعلم حجر عليه بعد البلوغ فيصح تصرفه كمن علم رشده انتهى بمعناه [ ص: 170 ] وحاصله أنه لا يحكم على البالغ بالسفه المانع من التصرف إلا إن ثبت أو دلت عليه قرينة كأن علم تصرف وليه عليه وعدم تصرفه هو م ر .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              قول المتن ( ويختبر ) أي : وجوبا ا هـ ع ش ( قوله من جهة الولي ) إلى قوله ومن زاد في النهاية والمغني ( قوله { وابتلوا } إلخ ) أي : اختبروهم نهاية ومغني ( قوله في فعل الطاعات إلخ ) أي : ومخالطة أهل الخير نهاية ومغني ( قوله وقد جوزوا للشاهد إلخ ) انظر فائدة ذلك مع قوله السابق قال ابن الصلاح إلخ ا هـ سم وقد يقال : إنما المقصود به الاستدلال على قوله أما في الدين فبمشاهدة حاله إلخ ( قوله وأما في المال إلخ ) عطف على قوله أما في الدين إلخ ( قوله والسوقي ) إلى قول المتن بما يتعلق بالغزل في النهاية إلا قوله والفقيه إلى المتن قول المتن ( ولد التاجر ) لعل المراد به التاجر عرفا كالبزاز لا من يبيع ويشتري أخذا من قوله والسوقي ا هـ ع ش ( قوله فعطفه إلخ ) تفريع على تقديره المضاف أي المقدمات ( قوله من عطف الرديف ) أي : بناء على أن المراد بالمماكسة جميع مقدمات البيع والشراء ( وقوله أو الأخص ) يعني بناء على أن المراد بها خصوص ما سيذكره الشارح ا هـ ع ش ( قوله وذلك ) أي : تقدير المضاف ( قوله بأن يطلب أنقص إلخ ) اسم التفضيل ليس على بابه عبارة النهاية والمغني وهو طلب النقصان عما طلبه البائع وطلب الزيادة على ما يبذله المشتري ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله أنقص إلخ ) على حذف الخافض أي : بأنقص إلخ وبأزيد إلخ ( قوله ويكفي اختياره في نوع إلخ ) ثم إن ظهر خلافه في غير ذلك النوع تبين عدم رشده ا هـ ع ش ( قوله أي : إعطاؤهم الأجرة ) أي التي عينها وليه للدفع للعمال كما لو أمره بتفرقة الزكاة ونحوها وحيث احتاج إلى شراء ما ينفقه عليهم أو استئجار بعضهم على عمل يعمله اشترط أن يكون العقد من وليه ا هـسم على منهج بالمعنى وستأتي الإشارة إليه في قوله م ر وليس ذلك مفرعا على القول بصحة تصرفه إلخ ا هـ ع ش ( قوله وولد نحو الأمير إلخ ) عبارة النهاية والمغني وولد الأمير ونحوه بأن يعطى شيئا من ماله لينفقه في مدة شهر في خبز ولحم وماء ونحوه كما في الكفاية تبعا لجماعة ثم نقل عن الماوردي أنه يدفع إليه نفقة يوم في مدة شهر ثم نفقة أسبوع ثم نفقة شهر وليس ذلك أي : دفع النفقة إلخ مفرعا على القول بصحة تصرفه لما مر من أنه يمتحن بذلك فإن أراد العقد عقد الولي كما سيأتي ويختبر من لا حرفة لأبيه أي : ولا له بالنفقة على العيال ؛ إذ لا يخلو من له ولد عن ذلك أي : العيال غالبا ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله على اتباع أبيه ) أي : أجناده يعني إعطاءهم وظائفه بقدر مراتبهم ا هـ كردي ( قوله للمضاف إليه ) وهو المحترف .

                                                                                                                              ( قوله واختبر إلخ ) الأسبك فيختبر حينئذ إلخ ( قوله ولا ينافيه إلخ ) أي : كون اختبار المرأة من جهة الولي ( قوله ينيبهم في ذلك ) أي ينيب الولي النساء والمحارم في الاختبار وفي بعض نسخ النهاية يتهم في ذلك قال ع ش أي لإرادة دوام الحجر ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله وعليه ) أي : على النص ( قوله [ ص: 169 ] أحدهما ) أي : أحد الصنفين النساء والمحارم ( قوله لكن خالفه التاج إلخ ) قال ع ش قوله خلافه وهو قبول شهادة الأجانب ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله دون الزيادة ) أي : دون الزيادة على الطريق الغالب ا هـ سيد عمر ( قوله ويؤيده ) أي : الاكتفاء بشهادة الأجانب ا هـ ع ش ( قوله أي : بفعله ) إلى قوله قال في النهاية والمغني ( قوله يطلق على المصدر والمغزول ) أي : والمراد هنا كل منهما ( قوله حفظا ) أي : إن كانت مخدرة ( وقوله وبيعا ) أي : إن كانت برزة ( وقوله كما تقرر ) أي : في الغزل من التوزيع ( قوله فإن لم يليقا بها ) كبنات الملوك .

                                                                                                                              ونحوهم قول المتن ( عن الهرة ) وهي الأنثى والذكر هر وتجمع الأنثى على هرر كقربة وقرب والذكر على هررة كقرد وقردة ا هـ مغني ( قوله وعدم الانخداع ) أي : عدم تأثرها بالحيلة .

                                                                                                                              ( قوله قوام الرشد ) أي : ما يتحقق به الرشد .

                                                                                                                              ( قوله أو الأطعمة ) عطف على قوله الهرة ( قوله وإذا ثبت ) إلى قوله لا ينافي ذلك في النهاية والمغني إلا قوله استدل إلى قول مالك ( قوله حملوه على الندب ) ينبغي على مال الزوج لما يغلب فيهن من التصرف في ماله بغير إذنه ولا علم رضاه ا هـ سيد عمر ( قوله على الندب ) أي : ندب الاستئذان ( قوله واستدل له ) أي : للحمل كردي ( قوله ولم تعلمه ) أي لم تستأذن منه صلى الله عليه وسلم ( قوله فلم يعبه ) أي : صلى الله عليه وسلم لإعتاق عليها أي : فلو كان الاستئذان واجبا لأنكر عليها الإعتاق بلا إذن منه صلى الله عليه وسلم ( قوله وفيه إلخ ) أي : في الاستدلال ( قوله : إذ قول مالك إلخ ) يريد أنه لا حاجة إلى ذلك الحمل لأجل خلاف مالك ؛ لأن قوله لا ينافي نفوذ التصرف مطلقا ؛ لأنه يجوز التصرف في الجملة ا هـ كردي ( قوله وحينئذ ) أي : حين ؛ إذ تزوجت ( قوله لا تتصرف إلخ ) أي : لا ينفذ تبرعها بما زاد إلخ ا هـ نهاية زاد المغني فقال له الشافعي أرأيت لو تصدقت بثلث مالها ثم بثلث الثلثين ثم بثلث الباقي هل يجوز التصدق الثاني والثالث إن جوزت سلطتها على جميع المال بالتبرع وإن منعت منعت الحر البالغ العاقل من ماله ولا وجه له ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله لا ينافي ذلك ) أي عدم عيبه عليها ولعل وجه عدم المنافاة احتمال عدم زيادة العتق على الثلث وتقدم عن الكردي في الإشارة وتوجيه عدم المنافاة غير ما ذكر .

                                                                                                                              ( قوله النوعان ) قال في شرح العباب ولا يكفي أحدهما لاحتمال أنه من الجنس الآخر ا هـ سم ( قوله حتى يغلب ) إلى قوله كذا أطلقوه في النهاية والمغني ( قوله الولي ) عبارة النهاية والمغني كل ولي ا هـ .

                                                                                                                              قول المتن ( وقيل بعده ) رد بأنه يؤدي إلى الحجر على البالغ الرشيد إلى اختباره وهو باطل نهاية ومغني قول المتن ( بل يمتحن ) والأوجه أنه يختبر السفيه أيضا فإذا ظهر رشده عقد ؛ لأنه مكلف نهاية ومغني وسم .

                                                                                                                              ( قوله وعلى الوجهين ) أي على الأول المعتمد ومقابله .

                                                                                                                              ( قوله كذا أطلقوه إلخ ) يظهر أن الوجه الأخذ بإطلاقهم ؛ لأنه وإن أدى لإتلافه مغتفر نظرا لما فيه من المصلحة ا هـ سيد عمر .

                                                                                                                              وفيه أن ما استقر به الشارح فيه جمع بين المصلحتين ثم رأيت في ع ش بعد ذكر كلام الشارح ما نصه وقد تفهم المراقبة المذكورة من قول المصنف فإذا أراد أن يعقد إلخ فإنه ظاهر في أن الولي يكون عنده وقت المماكسة وبه يعلم أنه إن لم يراقبه [ ص: 170 ] ضمن ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله لا يحلف ولي إلخ ) وفاقا للنهاية والمغني كما مر ( قوله أنكر الرشد ) أي : أنكر رشد الصبي بعد بلوغه ا هـ كردي ( قوله به ) أي الرشد ( قوله وإن لم يثبت ) أي : ولم يظهر ( قوله على بينة برشده ) أي : وقت التصرف وظاهره ولو كانت شهادة البينة بذلك بعد التصرف .




                                                                                                                              الخدمات العلمية