الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( وحكم فاسد العقود ) إذا صدر من رشيد ( حكم صحيحها في الضمان ) وعدمه ؛ لأن صحيحه إن اقتضى الضمان بعد القبض كالبيع والقرض ففاسده أولى أو عدمه كالمرهون والمستأجر والموهوب ففاسده كذلك ؛ لأن إثبات اليد عليه بإذن المالك ولم يلتزم بالعقد ضمانا والمراد التشبيه في أصل الضمان لا الضامن فلا يرد كون الولي لو استأجر لموليه فاسدا تكون الأجرة عليه وفي الصحيحة على موليه ولا في القدر فلا يرد كون صحيح البيع مضمونا أي مقابلا فاندفع تنظير شارح فيه [ ص: 89 ] بالثمن ، وفاسده بالبدل والقرض بمثل المتقوم الصوري ، وفاسده بالقيمة ، ونحو القراض والمساقاة والإجارة بالمسمى وفاسدها بأجرة المثل وخرج بالرشيد ما صدر من غيره فإنه مضمون ، وإن لم يقتض صحيحه الضمان كما يعلم من كلامه في الوديعة ثم يستثنى من طرد هذه القاعدة ما لو قال قارضتك أو ساقيتك على أن الربح أو الثمرة كلها لي فهو فاسد ولا أجرة له إن علم كما يأتي ؛ لأنه لم يدخل طامعا وكذا من حيث لم يطمع كأن ساقاه على غرس ودي أو تعهده مدة لا يثمر فيها غالبا ونظر في استثنائهما بأن المراد من القاعدة ما يقتضي فاسده ضمان العوض المقبوض ويرد بأن المنافع التي أتلفها العامل للمالك بمنزلة عوض مقبوض وما لو عقد الذمة غير الإمام فتفسد ولا جزية [ ص: 90 ] حسما لتصرف غير الإمام فيما هو من خواصه عن الاعتداد به ونوزع في استثناء هذه بأن القائل بعدم الوجوب يجعل ما صدر لغوا لا فاسدا ولا صحيحا وإتلاف الحربي غير مضمون فلم يلزم شيء ويرد بأن أصحابنا لم يفرقوا بين الفاسد والباطل إلا في أبواب أربعة وما ألحق بها وليس هذا منها وما لو امتنع المستأجر من تسليم العين بعد عرضها عليه إلى انقضاء المدة فتستقر بذلك الأجرة في الصحيحة دون الفاسدة ومن عكسها الشركة فإن عمل الشريكين فيها لا يضمن إلا مع فسادها ونوزع في استثنائها بما مر أولا ويرد بنظير ما رددت به ذاك وما لو رهن أو آجر نحو غاصب فتلفت العين في يد المرتهن أو المستأجر فللمالك تضمينه ، وإن كان القرار على الراهن والمؤجل مع أن صحيح الرهن والإجارة لا ضمان فيه ونوزع فيه بنظير ما مر في عقد غير الإمام للذمة ويرد بنظير ما رددت به ذاك .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله والمستأجر ) قد يناقش بأن عد هذا مما لا يقتضي صحيحه ولا فاسده الضمان يدل على أن الكلام في ضمان العين وعدمه لا في الأجرة وإلا فضمانها ثابت في الإجارة صحيحة أو فاسدة لكن كلامه الآتي كقوله فلا يرد كون الولي إلخ [ ص: 89 ] يدل على أن الكلام شامل للأخيرة فليتأمل .

                                                                                                                              ( قوله وخرج بالرشيد ) اعترض بعضهم التقييد بالرشيد بأنه لا حاجة إليه ؛ لأن عقد غيره باطل لاختلاف ركنه لا فاسد والكلام في الفاسد وأقول هذا الاعتراض ليس بشيء ؛ لأن الفاسد والباطل عندنا سواء إلا فيما استثني بالنسبة لأحكام مخصوصة فالتقيد في غاية الصحة والاحتياج إليه فتأمل ( قوله مضمونا ) أي المبيع فيه .

                                                                                                                              ( قوله ثم يستثنى من طرد إلخ ) قد يقال لو أريد الضمان وعدمه بالنسبة لتلك العين باعتبار ذلك العقد من حيث كون ذلك العقد لم يحتج لاستثناء شيء من الطرد والعكس ؛ لأن الضمان أو عدمه في المستثنيات ليس للعين بل لغيرها كأجرة عامل القراض والشريك والضمان في مسألة الغاصب أو إيجاره من حيث الغصب إذ يد المرتهن كيد الغاصب فليتأمل ( قوله بأن المنافع ) أي [ ص: 90 ] منافع العامل .

                                                                                                                              ( قوله وإن كان القرار على الراهن ) أي بشرطه في محله وعبارة الروض ويرجع عليه أي على الغاصب إن جهل قال في شرحه أما إذا علم فهو غاصب أيضا .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله إذا صدر ) إلى قوله فلا يرد كون صحيح البيع في النهاية والمغني إلا قوله فلا يرد كون الولي إلى ولا في القدر ( قوله وعدمه ) أي الضمان ( قوله لأن صحيحه ) أي العقد ( قوله والقرض ) أي والإعارة نهاية ومغني قال ع ش قضيته أنه لا فرق في العارية في عدم ضمان المنفعة بين الصحيحة والفاسدة ؛ لأن غاية أمرها أنها إتلاف للمنفعة بإذن المالك ومن أتلف مال غيره بإذنه والإذن أهل للإذن لم يضمن ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله كالمرهون إلخ ) كان الأولى أن يعبر بمصدرها ( قوله والمستأجر ) عبارة النهاية والمغني والعين المستأجرة ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله والموهوب ) أي بلا ثواب نهاية ومغني ( قوله كذلك ) أي لا يقتضي الضمان بل هو مساو له في عدم الضمان قال سم على منهج ولم يقل أولى ؛ لأن الفاسد ليس أولى بعدم الضمان بل بالضمان انتهى .

                                                                                                                              ووجه ذلك أن عدم الضمان تخفيف وليس الفاسد أولى به بل حقه أن يكون أولى بالضمان لاشتماله على وضع اليد على مال الغير بلا حق فكان أشبه بالغصب ا هـ ع ش ( قوله بإذن المالك ) خبر لأن إلخ ( قوله والمراد ) أي بقول المتن في الضمان ( قوله لا الضامن ) الأول ليظهر عطف قوله الآتي ولا في القدر أن يقول لا في الضامن ( قوله مضمونا ) أي المبيع فيه ا هـ سم ( قوله فيه ) [ ص: 89 ] أي في التعبير بلفظ مضمونا ( قوله بالثمن ) متعلق بمضمونا ( قوله وفاسده بالبدل ) من العطف بحرف على معمولي عاملين مختلفين مع تقدم المجرور أي وكون فاسد البيع مضمونا بالبدل وكذا قوله والقرض بمثل المتقوم ، وقوله وفاسده بالقيمة وقوله ونحو القراض إلخ ( قوله وفاسده بالقيمة ) أي في المتقوم وهي أقصى القيم كالمقبوض بالشراء الفاسد ا هـ ع ش ( قوله وخرج ) إلى قوله إن علم في المغني وإلى قوله ونظر في النهاية إلا قوله إن علم إلى كذا ( قوله ما صدر من غيره إلخ ) اعترض بعضهم التقييد بالرشيد بأنه لا حاجة إليه ؛ لأن عقد غيره باطل لاختلال ركنه لا فاسد والكلام في الفاسد أقول هذا الاعتراض ليس بشيء ؛ لأن الفاسد والباطل عندنا سواء إلا فيما استثني لأحكام مخصوصة فالتقييد في غاية الصحة والاحتياج إليه فتأمل سم ونهاية قال ع ش قوله إلا فيما استثني وهو الحج والعمرة والخلع والكتابة فالفاسد من الحج والعمرة يجب قضاؤه والمضي فيه ، والخلع الفاسد يترتب عليه البينونة والكتابة الفاسدة قد يترتب عليها العتق بخلاف الباطل منها فلا يترتب عليه شيء منها ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله من طرد هذه القاعدة ) وهو كل عقد يقتضي صحيحه الضمان ففاسده يقتضيه كذلك ( قوله من طرد إلخ ) قد يقال إن أريد الضمان وعدمه بالنسبة لتلك العين باعتبار ذلك العقد من حيث كونه ذلك العقد لم يحتج لاستثناء شيء من الطرد ولا العكس ؛ لأن الضمان أو عدمه في المستثنيات ليس للعين بل لغيرها كأجرة عامل القراض والشريك والضمان في مسألة رهن الغاصب أو إيجاره من حيث الغصب إذ يد المرتهن كيد الغاصب فليتأمل ا هـ سم عبارة النهاية بعد ذكر المستثنيات نصها وإلى هذه المسائل أشار الأصحاب بالأصل في قولهم الأصل أن فاسد كل عقد إلخ وفي الحقيقة لا يصح استثناء شيء من القاعدة لا طردا ولا عكسا ؛ لأن المراد بالضمان المقابل للأمانة بالنسبة للعين لا بالنسبة لأجرة ولا غيرها فالرهن صحيحه أمانة وفاسده كذلك والإجارة مثله والبيع والعارية صحيحهما مضمون وفاسدهما مضمون فلا يرد شيء ا هـ قال الرشيد قوله المقابل للأمانة بالرفع خبر أن بحذف الموصوف أي المراد بالضمان الضمان المقابل للأمانة بالنسبة للعين أي لا الضمان الشامل لنحو الثمن والأجرة ، ويرد على هذا المراد مسألتا الرهن والإجارة من متعد ويجاب عنهما بأن الضمان فيهما إنما جاء من حيث التعدي لا من حيث كون العين مرهونة أو مؤجرة ا هـ وقال ع ش قوله بالنسبة للعين أي التي وضعت اليد عليها بإذن من المالك فيخرج بقوله بالنسبة للعين ما عدا مسألة الغاصب إذا أجر أو رهن وبقولنا أي التي وضعت إلخ مسألة الغاصب ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله على أن الربح ) أي كله لي نهاية ومغني ( قوله فهو فاسد ) أي كل من القراض والمساقاة ( قوله ولا أجرة له ) أي وإن جهل الفساد على الراجح خلافا لحج ا هـ ع ش ( قوله على غرس ودي ) أي وتعهده ( قوله وتعهده ) أي تعهد ودي مغروس عبارة النهاية على ودي مغروس أو ليغرسه ويتعهده ا هـ قال ع ش والودي اسم لصغار النخل ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله مدة إلخ ) راجع لكل من المعطوف والمعطوف عليه ( قوله ونظر إلخ ) أقره المغني ( قوله ما يقتضي فاسده ضمان العوض المقبوض ) أي والمالك هنا لم يقبض عوضا فاسدا والعامل رضي بإتلاف منافعه وباشر إتلافها ا هـ مغني وقوله والعامل رضي إلخ جواب عن قول الشارح لو يرد إلخ ( قوله بأن المنافع إلخ ) أي منافع العامل التي أتلفها لأجل المالك سيد عمر وسم ( قوله وما لو عقد إلخ ) عطف كقوله الآتي وما لو امتنع إلخ على قوله ما لو قال إلخ ( قوله ولا جزية ) أي على [ ص: 90 ] الذمي سواء علم أم لا ا هـ ع ش ( قوله حسما ) أي قطعا ( قوله عن الاعتداء به ) متعلق بحسما .

                                                                                                                              ( قوله ونوزع في استثناء هذه إلخ ) نقله المغني عن السبكي وأقره ( قوله لغوا ) مفعول يجعل ( قوله فلم يلزمه شيء ) عبارة المغني فلم يلزمه عوض المنفعة كما لو دخل دارنا وأقام فيها مدة ولم يعلم به الإمام ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله في أبواب أربعة ) مر بيانها عن ع ش وقال الكردي يأتي تفصيلها في الوكالة ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله ومن عكسها ) أي ويستثنى من عكس هذه القاعدة وهو كل عقد يقتضي صحيحه عدم الضمان ففاسدة كذلك ( قوله فإن عمل الشريكين إلخ ) عبارة المغني فإنه لا يضمن كل من الشريكين عمل الآخر مع صحتها ويضمنه مع فسادها فإذا خلطا ألفا بألفين وعملا فصاحب الألفين يرجع على صاحب الألف بثلث أجرة مثله وصاحب الألف يرجع بثلثي أجرته على صاحب الألفين ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله إلا مع فسادها ) أي فيضمن كل أجرة مثل عمل الآخر إن اتفقا عليه فلو اختلفا وادعى أحدهما العمل صدق المنكر لأن الأصل عدم العمل ولو اختلفا في قدر الأجرة صدق الغارم حيث ادعى قدرا لائقا ا هـ ع ش ( قوله مر أولا ) أي في استثناء القراض والمساقاة عن الطرد ( قوله وما لو رهن إلخ ) عطف على الشركة ( قوله نحو غاصب ) عبارة النهاية والمغني متعد كغاصب ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله وأن القرار على الراهن إلخ ) أي إذا كان المرتهن والمستأجر جاهلين وأما إذا كانا عالمين فالقرار عليهما ع ش وسم .




                                                                                                                              الخدمات العلمية