ولما ذكر - سبحانه - ما في الزروع؛ وما لا ساق له من النعمة؛ والقدرة؛ ودل السياق فيه على الحصر؛ أتبعه ما بين أن المراد التعظيم؛ لا الحصر الحقيقي؛ بإظهار المنة في غيره؛ من الأشجار الكبار؛ والصغار؛ ذات الأقوات والفواكه؛ فقال - دالا على عظمه بمظهر العظمة -: وجعلنا ؛ أي: بما لنا من العظمة؛ فيها ؛ أي: الأرض؛ جنات ؛ أي: بساتين؛ تستر داخلها بما فيها من الأشجار الملتفة؛ ولما كان النخل - مع ما فيه من النفع - زينة دائما؛ بكونه لا يسقط ورقه؛ قدمه؛ وسماه باسمه؛ فقال: [ ص: 125 ] من نخيل ؛ وفيه أيضا إشارة إلى أنه نفع كله؛ خشبه؛ وليفه؛ وشعبه؛ وخوصه؛ وعراجينه؛ وثمره؛ طلعا وجمارا؛ وبسرا؛ ورطبا؛ وتمرا؛ ولذلك - والله أعلم - أتى فيه بصيغة جمع الكثرة؛ كـ "العيون"؛ ولما كان الكرم لا تكون له زينة بأوراق تجن؛ إلا ما كان العنب قائما؛ قال: وأعناب ؛ ودل بالجمع فيهما؛ دون الحب؛ على كثرة اختلاف الأصناف في النوع الواحد؛ الموجب للتفاوت الظاهر في القدر؛ والطعم؛ وغير ذلك.
ولما كانت الجنات لا تصلح إلا بالماء؛ وكان من طبع الماء الغور في التراب؛ والرسوب بشدة السريان إلى أسفل؛ فكان فورانه إلى جهة العلو أمرا باهرا للعقل؛ لا يكون إلا بقسر قاسر؛ حكيم؛ قال: وفجرنا ؛ أي: فتحنا تفتيحا عظيما؛ فيها ؛ ودل على تناهي عظمته؛ وتعاليها عن أن يحاط بشيء منها؛ بالتبعيض؛ بقوله: من العيون ؛ والتعريف هنا يدل على أن الأرض مركبة على الماء؛ فكل موضع منها صالح لأن ينفجر منه الماء؛ ولكن الله يمنعه عن بعض المواضع؛ بخلاف الأشجار؛ ليس منها شيء غالبا على الأرض؛ ففي ذلك تذكير بالنعمة في حبس الماء عن بعض الأرض؛ لتكون موضعا للسكن؛ ولو شاء لفجر الأرض عيونا؛ كما فعل بقوم نوح - عليه السلام -؛ فأغرق الأرض كلها.