ولما اشتد تشوف السامع لما استحقوا به هذا الذكر؛ قال - مؤكدا؛ إشارة إلى محبته - سبحانه - لمدحهم؛ وردا على من ينسب إليهم؛ أو إلى أحد منهم ما لا يليق؛ كما كذبه اليهود فيما بدلوه من التوراة في حق إسحاق - عليه السلام - في بعض المواضع؛ معديا للفعل بالهمزة؛ إشارة إلى أنه جذبهم من العوائق إليه؛ جذبة واحدة؛ هي في غاية السرعة -: إنا أخلصناهم ؛ أي: لنا إخلاصا يليق بعظمتنا التي لا تدانيها عظمة؛ بخالصة ؛ أي: أعمال؛ وأحوال؛ ومقامات؛ وبلايا؛ ومحن؛ هي سالمة عن شوب ما؛ فصاروا بالصبر عليها في غاية الخلوص.
ولما كان سبب الإخلاص تذكر يوم الدين؛ وما يبرز فيه من صفات الجلال؛ والجمال؛ وينكشف فيه من الأمور التي لا توصف عظمتها؛ بينها بقوله: ذكرى الدار ؛ أي: تذكرهم تلك الخالصة - تذكيرا عظيما لا يغيب عنهم أصلا - الدار التي لا يستحق غيرها أن يسمى دارا بوجه؛ بحيث نسوا بذكر هذا الغائب ذكر ما يشاهدونه من دار الدنيا؛ فهم لا ينظرون إليه أصلا؛ بغضا فيها؛ فقد أنساهم هذا الغائب الثابت الشاهد الزائل؛ عكس ما عليه العامة؛ وإضافة نافع ؛ وأبي جعفر ؛ عن وهشام ؛ بخلاف عنه؛ لـ "خالصة"؛ مؤيد لما قلت من أن "ذكرى"؛ بيان لأنها إضافة الصفة إلى الموصوف؛ والمعنى أنهم لا يعملون شيئا إلا وهو [ ص: 398 ] مقرب للآخرة؛ فالمعنى أن ذكرهم لها خالص عن سواه؛ لا يشاركه فيه شيء؛ ولا يشوبه شوب أصلا. ابن عامر