ولما وصف نفسه - سبحانه - بذلك؛ دل عليه بقوله: رب السماوات ؛ أي: مبدعها؛ وحافظها؛ على علوها؛ وسعتها؛ وإحكامها؛ بما لها من الزينة؛ والمنافع؛ وجمع لأن المقام للقدرة؛ وإقامة الدليل على تعددها سهل [ ص: 414 ] والأرض ؛ على سعتها؛ وضخامتها؛ وكثافتها؛ وما فيها من العجائب.
ولما كان القائل مخيرا؛ كما قال ابن مالك في الكافية الشافية؛ عند اختلاط العقلاء بغيرهم؛ في إطلاق ما شاء من "من"؛ التي أغلب إطلاقها على العقلاء؛ و"ما"؛ التي هي بعكس ذلك؛ وكان ربما وقع في وهم أن تمكنه (تعالى) من العقلاء دون تمكنه من غيرهم؛ لما لهم من الحيل التي يحترزون بها عن المحذور؛ وينظرون بها في عواقب الأمور؛ أشار إلى أن حكمه فيهم كحكمه في غيرهم؛ من غير فارق؛ بالتعبير عنهم بـ "ما"؛ التي أصلها وأغلب استعمالها لمن لا يعقل؛ وسياق العظمة بالوحدانية وآثارها؛ دال على دخولها في العبادة قطعا؛ فقال: وما بينهما ؛ أي: الخافقين؛ من الفضاء؛ والهواء؛ وغيرهما من العناصر؛ والنبات؛ والحيوانات؛ العقلاء؛ وغيرها؛ ربى كل شيء من ذلك؛ إيجادا؛ وإبقاء؛ على ما يريد؛ وإن كره ذلك المربوب؛ فدل ذلك على قهره؛ وتفرده في جميع أمره.
ولما كان السياق للإنذار؛ كرر ما يدل على القهر؛ فقال: العزيز ؛ أي: الذي يعز الوصول إليه؛ ويغلب كل شيء؛ ولا يغلبه شيء؛ ولما ثبت أنه يغلب كل شيء ولا يغلبه شيء؛ وكانت دلالة الوصفين العظيمين على الوعيد أظهر من إشعارها بالوعد؛ كان موضع قولهم: [ ص: 415 ] فما له لا يعجل بالهلاك لمن يخالفه؟ فقال: الغفار ؛ أي: المكرر ستره لما يشاء من الذنوب حلما إلى وقت؛ الماحي لها بالكلية بالنسبة إلى من يشاء من العباد؛ كما فعل مع أكثر الصحابة - رضي الله عنهم - حيث غفر لهم ما اقترفوه قبل الإسلام.