وقد رد على بوجهين، أحدهما: أن المبرد لم يحتم ذلك بل جوزه. والثاني: أنا لا نسلم أن الظرف هنا ليس بخبر بل هو خبر، ونصب "كفوا" على الحال على ما سيأتي بيانه. وقال سيبويه : "الكلام العربي الفصيح أن يؤخر الظرف الذي هو لغو غير مستقر ولا يقدم. وقد نص الزمخشري في "كتابه" على ذلك، فما باله مقدما في أفصح كلام وأعربه؟ قلت: هذا الكلام إنما سيق لنفي المكافأة عن ذات [ ص: 153 ] الباري تعالى، وهذا المعنى مصبه ومركزه هو هذا الظرف، فكان لذلك أهم شيء وأعناه وأحقه بالتقديم وأحراه" . سيبويه
والثاني: أن ينصب على الحال من "أحد" لأنه كان صفته فلما تقدم عليه نصب حالا، و "له" هو الخبر. قاله مكي وغيرهما. ويجوز أن يكون حالا من الضمير المستكن في الجار لوقوعه خبرا. قال الشيخ بعد أن حكى كلام وأبو البقاء الزمخشري "وهذه الجملة ليست من هذا الباب وذلك أن قوله: ومكي: ولم يكن له كفوا أحد ليس الجار والمجرور فيه تاما، إنما ناقص لا يصلح أن يكون خبرا لـ "كان" بل هو متعلق بـ "كفوا" وقدم عليه. التقدير: ولم يكن أحد مكافئا له، فهو في معنى المفعول متعلق بـ "كفوا" وتقدم على "كفوا" للاهتمام به، إذ فيه ضمير الباري تعالى، وتوسط الخبر وإن كان الأصل التأخير; لأن تأخير الاسم هو فاصلة فحسن ذلك.
وعلى هذا الذي قررناه يبطل إعراب مكي وغيره أن "له" الخبر، و "كفوا" حال من "أحد" لأنه ظرف ناقص لا يصلح أن يكون خبرا. وبذلك يبطل سؤال وجوابه. الزمخشري إنما تكلم في الظرف الذي يصلح أن يكون خبرا وأن لا يكون. قال وسيبويه "وتقول: ما كان فيها أحد خير منك، وما كان [أحد] مثلك فيها، وليس أحد [ ص: 154 ] فيها خير منك، إذا جعلت "فيها" : مستقرا، ولم تجعله على قولك: فيها زيد قائم أجريت الصفة على الاسم. فإن جعلته على "فيها زيد قائم" نصبت فتقول: ما كان فيها أحد خيرا منك، وما كان أحد خيرا منك فيها، إلا أنك إذا أردت الإلغاء فكلما أخرت الملغى فهو أحسن، وإذا أردت أن يكون مستقرا فكلما قدمته كان أحسن، والتقديم والتأخير والإلغاء والاستقرار عربي جيد كثير قال تعالى: سيبويه: ولم يكن له كفوا أحد وقال الشاعر:
4680 - ما دام فيهن فصيل حيا
انتهى كلام سيبويه. قال الشيخ: "فأنت ترى كلامه وتمثيله بالظرف الذي يصلح أن يكون خبرا. ومعنى قوله "مستقرا" أي: خبرا للمبتدأ أو لكان. فإن قلت: فقد مثل بالآية. قلت: هذا أوقع مكيا وغيرهما فيما وقعوا فيه، وإنما أراد والزمخشري أن الظرف التام وهو في قوله: سيبويه
ما دام فيهن فصيل حيا
أجري فضلة لا خبرا كما أن" له "في الآية أجري فضلة فجعل الظرف القابل أن يكون خبرا كالظرف الناقص في كونه لم يستعمل خبرا. ولا يشك من له ذهن صحيح أنه لا ينعقد كلام من "له أحد" بل لو تأخر [ ص: 155 ] "كفو" وارتفع على الصفة وقد جعل "له" خبرا لم ينعقد منه كلام. بل أنت ترى أن النفي لم يتسلط إلا على الخبر الذي هو "كفوا" والمعنى: لم يكن أحد مكافئه" انتهى ما قاله الشيخ.
وقوله: "ولا يشك أحد" إلى آخره تهويل على الناظر. وإلا فقوله: "هذا الظرف ناقص" ممنوع; لأن الظرف الناقص عبارة عما لم يكن في الإخبار به فائدة، كالمقطوع عن الإضافة، ونحو "في دار رجل". وقد نقل عن سيبويه الأمثلة المتقدمة نحو: "ما كان فيها أحد خيرا منك" ، وما الفرق بين هذا وبين الآية الكريمة؟ وكيف يقول هذا وقد قال في آخر كلامه: "والتقديم والتأخير والإلغاء والاستقرار عربي جيد كثير" ؟ سيبويه
وقرأ العامة بضم الكاف والفاء. وسهل الهمزة الأعرج وشيبة في رواية. وأسكن الفاء ونافع وأبدل الهمزة واوا وقفا خاصة. وأبدلها حمزة، حفص واوا مطلقا. والباقون بالهمز مطلقا. وقد تقدم الكلام على هذا في أوائل البقرة في قوله: هزوا .
وقرأ سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس "كفاء" بالكسر والمد، أي: لا مثل له. وأنشد للنابغة: [ ص: 156 ]
4681 - لا تقذفني بركن لا كفاء له . . . . . . . . . . . . . . . . .
في رواية "كفا" بالكسر وفتح الفاء من غير مد، كأنه نقل حركة الهمزة وحذفها. والكفء: النظير. وهذا كفء لك، أي: نظيرك والاسم الكفاءة بالفتح. ونافع
(تمت بعونه تعالى سورة الإخلاص)