الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (11) قوله : فلا اقتحم : قال الفراء والزجاج "ذكر "لا" مرة واحدة، والعرب لا تكاد تفرد "لا" مع الفعل الماضي حتى تعيد، كقوله تعالى: فلا صدق ولا صلى ، وإنما أفردها لدلالة آخر الكلام على معناه فيجوز أن يكون قوله: ثم كان من الذين آمنوا قائما مقام التكرير، كأنه قال: فلا اقتحم العقبة ولا آمن". وقال [ ص: 9 ] الزمخشري : "هي متكررة في المعنى; لأن معنى "فلا اقتحم العقبة": فلا فك رقبة ولا أطعم مسكينا، ألا ترى أنه فسر اقتحام العقبة بذلك". قال الشيخ: "ولا يتم له هذا إلا على قراءة "فك" فعلا ماضيا".

                                                                                                                                                                                                                                      آ. (13) وقرأ أبو عمرو وابن كثير والكسائي "فك" فعلا ماضيا، "ورقبة" نصبا، "أو أطعم" فعلا ماضيا أيضا. والباقون "فك" برفع الكاف اسما، "رقبة" خفص بالإضافة، "أو إطعام" اسم مرفوع أيضا. فالقراءة الأولى الفعل فيها بدل من قوله "اقتحم" فهو بيان له، كأنه قيل: فلا فك رقبة ولا أطعم، والثانية يرتفع فيها "فك" على إضمار مبتدأ، أي: هو فك رقبة أو إطعام، على معنى الإباحة. وفي الكلام حذف مضاف دل عليه "فلا اقتحم" تقديره: وما أدراك ما اقتحام العقبة؟ فالتقدير: اقتحام العقبة فك رقبة أو إطعام، وإنما احتيج إلى تقدير هذا المضاف ليتطابق المفسر والمفسر. ألا ترى أن المفسر - بكسر السين - مصدر، والمفسر - بفتح السين - وهو العقبة غير مصدر، فلو لم نقدر مضافا لكان المصدر وهو "فك" مفسرا للعين، وهو العقبة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ أمير المؤمنين وأبو رجاء "فك أو أطعم" فعلين كما تقدم، إلا أنهما نصبا "ذا" بالألف. وقرأ الحسن "إطعام" و "ذا" بالألف أيضا وهو على هاتين القراءتين مفعول "أطعم" أو "إطعام" و "يتيما" حينئذ بدل منه أو نعت له. وهو في قراءة العامة "ذي" بالياء نعتا لـ "يوم" على سبيل [ ص: 10 ] المجاز، وصف اليوم بالجوع مبالغة كقولهم: "ليلك قائم ونهارك صائم" والفاعل لـ "إطعام" محذوف، وهذا أحد المواضع التي يطرد فيها حذف الفاعل وحده عند البصريين وقد بينتها مستوفاة ولله الحمد.

                                                                                                                                                                                                                                      والمسغبة: الجوع مع التعب، وربما قيل في العطش مع التعب، قاله الراغب. يقال منه: سغب الرجل يسغب سغبا وسغوبا فهو ساغب وسغبان والمسغبة مفعلة منه، وكذلك المتربة من التراب. يقال ترب، أي: افتقر حتى لصق جلده بالتراب. فأما أترب بالألف فبمعنى استغنى نحو: أثرى، أي: صار ماله كالتراب وكالثرى ، والمقربة أيضا: مفعلة من القرابة. وللزمخشري هنا عبارة حلوة قال: "والمسغبة والمقربة والمتربة مفعلات من سغب إذا جاع وقرب في النسب وترب إذا افتقر" .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية