[ ص: 15 ] كتاب الوكالة هي بفتح الواو وكسرها لغة : التفويض والمراعاة والحفظ واصطلاحا : تفويض شخص لغيره ما يفعله عنه حال حياته مما يقبل النيابة أي شرعا فلا دور .
والأصل فيها قبل الإجماع قوله تعالى { فابعثوا حكما من أهله } بناء على أنه وكيل وهو الأصح كما يأتي وتوكيله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري في نكاح أم حبيبة وأبا رافع في نكاح ميمونة وعروة البارقي في شراء شاة بدينار والحاجة ماسة إليها ، ولهذا ندب قبولها لأنها قيام بمصلحة الغير ، أما عقدها المشتمل على الإيجاب فلا إلا أن يقال [ ص: 16 ] ما لا يتم المندوب إلا به فمندوب هو ظاهر إن لم يرد الموكل غرض نفسه .
وأركانها أربعة : موكل ، ووكيل ، وموكل فيه وصيغة . وقد شرع في الأول فقال ( شرط الموكل صحة مباشرة ما وكل ) بفتح الواو ( فيه بملك ) لكونه مطلق التصرف ( أو ولاية ) ككونه أبا في مال أو نكاح ( فلا يصح توكيل صبي ولا مجنون ) ولا مغمى عليه ولا محجور عليه بسفه في نحو مال لأنهم إذا عجزوا عن تعاطي ما وكلوا فيه فنائبهم أولى وخرج بملك أو ولاية الوكيل فإنه لا يوكل كما يأتي لانتفاء كونه مالكا أو وليا ، وصحة توكيله عن نفسه في بعض الصور أمر خارج عن القياس فلا يرد نقضا والقن المأذون له فإنه إنما يتصرف بالإذن فقط ( و ) لا توكيل ( المرأة ) لغيرها في النكاح لأنها لا تباشره و لا يرد صحة إذنها لوليها بلفظ الوكالة لانتفاء كونه وكالة حقيقة وإنما هو متضمن للإذن ( و ) لا توكيل ( المحرم ) بضم الميم لحلال ( في النكاح ) يعقد له أو لموليته حال إحرام الموكل لأنه لا يباشره فإن وكله ليعقد عنه بعد تحلله أو أطلق صح ، كما لو وكله ليشتري له هذه الخمرة بعد تخللها ، أو أطلق أو وكل حلال محرما ليوكل حلالا في التزويج لأنه سفير محض ( ويصح توكيل الولي ) أبا أو جدا ( في حق الطفل ) أو المجنون أو السفيه في المال والنكاح أو وصيا أو قيما في المال إن عجز عنه أو لم [ ص: 17 ] تلق به مباشرته سواء أوقع التوكيل عن المولى عليه أم عن نفسه أم عنهما معا .
وفائدة كونه وكيلا عن الطفل أنه لو بلغ رشيدا لم ينعزل الوكيل ، بخلاف ما لو كان وكيلا عن الولي ، وحيث وكل لا يوكل إلا أمينا كما يأتي ، ويصح توكيل سفيه أو مفلس أو قن في تصرف يستبد به لا غيره إلا بإذن ولي أو غريم أو سيد ( ويستثنى ) من عكس الضابط المار وهو أن كلمن لا تصح منه المباشرة لا يصح منه التوكيل ( توكيل الأعمى في البيع والشراء ) وغيرهما مما يتوقف على الرؤية كإجارة وأخذ بشفعة ( فيصح ) وإن لم يقدر على مباشرته للضرورة ، وما نازع به الزركشي في استثنائه بأن بيعه صحيح في الجملة وهو السلم وشراؤه لنفسه صحيح أيضا ، وبأن الشرط صحة المباشرة في الجملة بدليل أنه لو ورث بصير عينا لم يرها صح توكيله في بيعها مع عدم صحته منه يمكن رده بأن الكلام في بيع الأعيان وهو غير صحيح منه مطلقا وفي الشراء الحقيقي ، وشراؤه لنفسه ليس كذلك بل هو عقد عتاقة فصح الاستثناء ومسألة البصير المذكورة ملحقة بمسألة الأعمى ، لكن يأتي في الوكيل عن المصنف ما يؤيد ما ذكره الزركشي وبه يسقط أكثر المستثنيات الآتية ، ويضم للأعمى في الاستثناء من العكس المحرم في الصور الثلاث السابقة ، وتوكيل المشتري البائع في أن يوكل من يقبض المبيع عنه مع استحالة مباشرته القبض من نفسه ، والمستحق لنحو قود طرف [ ص: 18 ] مع أنه لا يباشره والوكيل في التوكيل ومالكة أمة لوليها في تزويجها .
ويستثنى من طرده وهو أن كل من صحت مباشرته بملك أو ولاية صح توكيله ولي غير مجبر نهي عنه فلا يوكل وظافر بحقه فلا يوكل في نحو كسر باب كما صرح به جمع ويحتمل جوازه عند عجزه ، والتوكيل في الإقرار وتوكيل وكيل قادر بناء على شمول الولاية للوكالة وسفيه أذن له في النكاح ومثله العبد في ذلك ، قاله ابن الرفعة .
والتوكيل في تعيين أو تبيين مبهمة واختيار أربع ما لم يعين له عين امرأة وتوكيل مسلم كافرا في استيفاء قود من مسلم أو نكاح المسلمة ، وذكرا في توكيل المرتد لغيره في تصرف مالي الوقف ، وجزم ابن المقري ببطلانه ، واستوجهه الشيخ رحمه الله تعالى في فتاويه ، ويجوز توكيل مستحق في قبض زكاة له ، قاله في الروضة قال في الخادم : وإن كان الوكيل ممن لا يجوز له أخذها كما صرح به القفال في فتاويه ، والأوجه أنه لا يملكه واحد منهما حيث لم يتحد قصد الدافع والوكيل


